في شهر آذار/مارس عام 2002 كتبت مقالا تحت عنوان «العرب والفرص الضائعة}
في جريدة الشرق القطرية، واليوم أعود للقول: كما هي العادة، كلما اقترب العرب من
تحقيق إنجاز وطني في أي مجال من المجالات على المستوى القطري أو القومي، تداعى
بعضهم لإجهاض ذلك الإنجاز أو راح بعضهم يدفع بدول أخرى من خارج الدائرة العربية
لإجهاضه وعلى نفقة الأمة العربية ــ وخاصة من بعض الدول الخليجيةــ ومن دخلها
القومي ليصب في صالح الأعداء.
نورد بعض الأمثلة الحية
من واقعنا العربي. في عام 1958 تحققت الوحدة العربية بين قطرين (مصر وسوريا) وراح
بعض الحكام العرب يعمل بكل جهد لإفشال تلك التجربة الرائدة، وحدث الانفصال في
سبتمبر عام 1961 بموجب تمويل خليجي وتأييد أجنبي، وخسر العرب الوحدة وربحت إسرائيل
الانفصال.
وفي أيلول/سبتمبر عام 1962، أعلنت الثورة في اليمن ضد النظام الملكي الذي حكم على الشعب اليمني أن يعيش في عصور ما قبل التاريخ ردحا من الزمن، وسارعت بعض الدول العربية لإجهاض تلك الثورة واندفع البعض الآخر لمناصرتها، وامتدت أياد أجنبية لتزيد النار اشتعالا في اليمن، وانتصرت الثورة بعد حرب دامت سبع سنين، ولكن لم يسمح لليمن بالنجاح في بناء مؤسسات الدولة الحديثة .
وفي عام 1990 قامت الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب ووجهت بقوى خليجية خفية تعمل لإجهاض الوحدة وتم إعلان الانفصال عام 1994، ولكن لم يكتب له النجاح وبقيت الوحدة اليمنية، لكن كان هناك إصرار أن يبقى اليمن كله في بوتقة التخلف والتبعية لبعض دول النفط.
في 2014 حدث انقلاب على الشرعية واستولى الحوثيون على العاصمة صنعاء، في أبريل 2015 أعلنت عاصفة الحزم لاسترداد الشرعية بقيادة السعودية، واستبشر الخلق خيرا بأن السعودية رمت بثقلها العسكري والاقتصادي في أتون المعركة لاسترداد الشرعية، وبعدها الاندفاع لتصحيح الأوضاع في كل من سوريا والعراق وليبيا، ولكنها فشلت في إعادة الشرعية وراحت تدك اليمن بغارات جوية، وتغيرت الأهداف، وضاع من العرب فرصة إعادة بناء اليمن والاستفادة من ثرواته الطبيعية والبشرية.
من الإنجازات العربية
الرائدة كان مشروع التصنيع العسكري واقتربت الأمة من الإنجاز في هذا المجال، إلا أن
أيدي اللصوص منا امتدت إلى الصندوق وسلبت محتوياته، ودقت طبول إفلاسه وتقاسم أصحاب
ربطة العنق (الكرفتة) بقية التركة، وانهار الأمل العربي في التصنيع العسكري
والاعتماد على الذات .
ولاحت في الأفق بادرة أمل
في ثمانينيات القرن الماضي في تراكم رأسمالي عربي وسيولة نقدية، لكنها بعثرت دون
وعي ودون فائدة.
تقول أوثق المصادر إن
تكلفة الجهاد في أفغانستان بلغت 50 مليار دولار، 80% من أموال عربية خليجية
والباقي من تجارة المخدرات.
وسقط الأمل نتيجة لإنقاص
تلك الثروة الفلكية وهوى صرح اقتصادي عربي (بنك الاعتماد والتجارة)، وضاعت أموال
وثروات يخجل العربي من ذكرها وقد لا يستطيع حصرها.
لقد حبانا الله بثروات
هائلة لا سابق لها في تاريخ أمتنا العربية، ولكن حكامنا أضاعوها وبعثروها، البعض
منهم لاستجداء استرضاء أمريكا لصالح تلك الأنظمة، وشراء السلاح لمحاربة الإرهاب، فلا رضيت أمريكا ولا انتصروا على الإرهاب، الذي هم أسباب نشأته وانتشاره .
حاربوا الشيوعية في أواخر
القرن الماضي، وحاربوا القومية العربية، واليوم يحاربون الهلال الأخضر، ويحاربون
بعضهم بعضا.
أموال بيد العابثين ضيعوا
على الأمة فرص التنمية ومحاربة الفقر وتشييد بنية تحتية أسوة بغيرنا من الأمم،
وبناء المستشفيات. يقول كيسنجر: «علينا القبول بارتفاع أسعار البترول، والعمل على
امتصاص الفوائض المتولدة من زيادة الأسعار وتدويرها بواسطة البنوك الأمريكية
الكبرى، وتشجيع الأموال الباقية في يد العرب على أنماط في الاستهلاك تهدر الثروة ولا
تحفظها، ويقول أيضا علينا استخدام جزء من فوائض الأموال العربية ليكون هو نفسه
الاستثمار الذي يوجه لتوفير بدائل للطاقة منافسة للبترول العربي».
وهذا ما يحدث اليوم . يؤكد تقرير صندوق البنك الدولي أن الناتج الإجمالي القومي لدول الخليج العربية في عام 2017 بلغ 1462 مليار دولار. وبلغ دخل السعودية من البترول وحده 365 مليار دولار عام 2018، وبحسب معهد أستوكهولم لدراسات السلام ( سيبرا ) بلغت ميزانية الدفاع لدول الخليج العربية ما يقدر بـ 129 مليار دولار، السعودية وحدها 76 مليارا والإمارات 30 مليارا (العربي الجديد، 9 يناير 2019)، ولم يحقق سلاحهم انتصارا في اليمن على مجموعة من الحوثيين الحفاة، ناهيك عن تحقيق نصر على إيران الأكثر تنظيما وتسليحا وطنيا لا مستوردا.
دول مجلس التعاون لا يملكون غواصة واحدة
وهم يشرفون على ثلاثة بحار مهمة بحر العرب، والبحر الأحمر، وبحر عمان والخليج العربي،
بينما إيران تملك أكثر من ثلاث غواصات أليس ذلك هدرا لثروة الشعب العربي في
السعودية والإمارات؟.
يحاصرون قطر بحجة أنها
ذات علاقة مع إيران العدو الأول كما يقولون، في الوقت نفسه يعيدون علاقاتهم
الدبلوماسية التي لم تنقطع يوما مع نظام بشار الأسد، الذي دمر الحرث والنسل في
سوريا وهجر شعبه، واستخدم جميع أنواع الأسلحة بما في ذلك أسلحة محرمة دوليا ، وهو
النظام الحليف الأقوى لإيران، إلى جانب أن الشركات الإيرانية ورؤوس الأموال موطنها
في الإمارات بعد إيران والعراق.
يحاصرون قطر بحجة محاربة الإرهاب وهم الذين أرهبوا اليمنيين ومزقوا وحدتهم ومؤسسات دولتهم، وأرهبوا شعوبهم اعتقالا ومطاردة وذبحا، فأي إرهاب تمارسه قطر؟! إنه عصر انقلبت فيه القيم وتبدلت الموازين، والله المستعان.
آخر القول:
افتحوا السجون والمعتقلات
وأطلقوا سراح أصحاب الرأي، وأوقفوا مطاردة مواطنيكم عبر الحدود، وارفعوا الحصار عن
قطر وغزة، وأوقفوا الحرب في اليمن، ولا تغرنكم ثرواتكم المالية، فإن دونالد ترامب
لها بالمرصاد.
عن صحيفة الشرق القطرية