تتباين الآراء في فهم كثير من الأحداث والوقائع
التي تجري في العالم، خاصة ما يجري منها في عالمنا العربي، بين من يرجعها إلى
نظرية المؤامرة بالكلية، وبين من يرفض ذلك المنطق مقدما رؤاه التفسيرية المخالفة
لذلك، واتجاه ثالث يقر بوجود المؤامرة لكنه يخَطِّى تفسير كل الأحداث من تلك
الزاوية.
ووفقا للأكاديمي الأردني، أستاذ العلوم
السياسية في جامعة الحسين بن طلال سابقا، الدكتور أحمد البرصان فإن "المؤامرة
موجودة ولا يمكن إنكارها بحال، لكن من الخطأ البين قصر تفسير كل الأحداث والوقائع
السياسية وغيرها عليها".
وتساءل البرصان في حديثه لـ"عربي21":
ماذا نسمي – مثلا- وعد بلفور الذي تم
بموجبه تقسيم العالم العربي بين الدول الاستعمارية المعروفة حينذاك إلا مؤامرة
حيكت ضد العالم العربي؟.
وشدد على ضرورة التفريق بين مخططات تعدها قوى
ودول خارجية، وتسعى لتنفيذها في المنطقة بالأدوات والآليات التي تمتلكها، وبين
أخطاء سياسية، وخطايا إستراتيجية يقترفها الساسة العرب، إذ غالبا ما يتم تعليق
كثير من تلك الأخطاء والخطايا على مشجب المؤامرات الخارجية لتبرئة ساحة أولئك
الساسة.
إقرأ أيضا: معارض تونسي: تنسيق إماراتي إسرائيلي ضد ربيع العرب (شاهد)
وذكر أستاذ العلوم السياسية البرصان أمثلة لذلك
كإقدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على احتلال الكويت، واصفا ذلك بالخطأ
الاستراتيجي القاتل، وكذلك بعض الأخطاء الأخرى كقرار السعودية ودولة الإمارات
والبحرين بفرض الحصار على قطر، ومثاله اشتراك التحالف العربي بقيادة السعودية في
الحرب الدائرة في اليمن، فينبغي تحميل مسؤولية تلك السياسات والقرارات لأصحابها
وليس تعليقها على مشجب المؤامرة.
وتعليقا على ما يقال من أن أغلب الأنظمة
السياسية العربية تدور في فلك التبعية التامة لدول أجنبية كأمريكا وبريطانيا
وفرنسا ما يعزز حضور نظرية المؤامرة بقوة، قال: "لعل ذلك يرجع إلى عقدة
تاريخية متجذرة، ألا وهي أن تلك الدول الاستعمارية هي التي أوجدت تلك الأنظمة، وهو
ما يرسخ فكرة دوام التبعية لتلك الدول وعدم قدرتها على التحرر من هيمنتها".
وأضاف البرصان "نعم ثمة عقدة نفسية متجذرة
في نفوس كثير من الساسة العرب بأنهم لا يستطيعون التحرر من التبعية لتلك الدول، مع
أنهم لو امتلكوا الإرادة السياسية الجادة لفعلوا ذلك ولو على مراحل" مذكّرا
بنموذج الزعيم الماليزي مهاتير محمد، ونموذج الرئيس التركي أردوغان رجب طيب
أردوغان.
انفصال عن الواقع
من جهته فرق الناشط السياسي الكويتي، عضو حزب
التحرير الإسلامي أسامة الثويني "بين المؤامرة ونظرية المؤامرة، فالمؤامرة
تعني ببساطة وجود أعداء يتواطؤون على إلحاق الضرر بآخرين، وذلك بأسلوب المكر
والكيد والاستدراج، فيضعون المخططات، ويرسمون الأساليب التي تلزم لتنفيذ
ذلك".
وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول:
" إن إنكار هذا المعنى للمؤامرة يقتضي الانفصال عن الواقع، وإنكار أمر ارتبط
بالوجود الاجتماعي والسياسي للبشر على وجه الأرض، أما نظرية المؤامرة فهي منهج لا
يحيد عنه صاحبه حين النظر السياسي، بل ويتكلف التأويلات، ويتلقف المزاعم من هنا
وهناك لإثبات صحة رأيه وفهمه".
ولفت الثويني إلى أن "وجود مؤامرة لا يعني
بالضرورة أنها تقف خلف كل حدث في العالم، إذ الأمر يعود إلى توافر الأدلة
والمعطيات والمعلومات التي تدعم تفسير الأحداث، بمعرفة خلفياتها وأسبابها بشكل
معقول"، مضيفا "بهذا التوازن في النظر نستطيع الخروج، إن خلصت النوايا،
من التراشق بالتصنيفات المختلفة، والتخلص من ردود الأفعال المتشنجة".
وقال في رده على سؤال: هل توجد مؤامرات حقيقة
على الأمة الإسلامية "نعم، فتآمر الغرب على الأمة الإسلامية حقيقة واضحة لا
لبس فيها ولا مراء، فهي محاطة بالأعداء وهم لا ينفكون عن وضع المخططات ورسم
الأساليب لإلحاق الضرر والأذى بالمسلمين، ما يقطع بأن الأمة تتعرض لمؤامرة كبرى".
وأضاف الثويني "ولعلي أكتفي هنا بذكر أعظم
وأخطر كارثة على رؤوس المسلمين والتي ساهمت بشكل مباشر بصياغة الواقع السياسي
المعاصر للأمة، ألا وهو هدم آخر خلافة للمسلمين، الخلافة العثمانية".
وأشار إلى "احتمالية اختلاف الآراء في
الحكم على عمل من الأعمال السياسية إن كان مؤامرة أم لا" مبينا أن
"الفيصل في ذلك يرجع إلى معقولية الأدلة ودقة المعلومات وترابطها، مع التأكيد
على أن الأمة الإسلامية تتعرض لمؤامرة كبرى من قبل الدول الغربية المستعمرة، وهو
ما لا ينبغي أن يختلف فيه اثنان" على حد قوله.
تفسيرات متعددة
بدوره أوضح الكاتب والباحث السياسي المصري،
ماهر فرغلي أن "ثمة تفسيرات كثيرة للأحداث منها التفسير المادي، وهو ما يقوم
به عادة اليساريون، ومنها تفسير الأحداث باعتبارها صراعا بين حق وباطل، وهؤلاء يغلب
عليهم الرؤية الثنائية (أبيض وأسود)، أو تفسير الأحداث بالنزعة البطولية بجعل
الأحداث كلها تتمحور حول بطل واحد، كعبد الناصر، وترامب.. وما إلى ذلك".
وأردف قائلا "أما التفسير المؤامراتي
للأحداث، فلا يقتصر على تفسير الأحداث الراهنة فقط، بل هو مدرسة في تفسير الأحداث
التاريخية كذلك، والمؤامرة موجودة في التاريخ، لكنه بالتأكيد لا يخضع في مجمل
أحداثه لها" مشيرا إلى أن "من يعتمدون على هذا المنهج غالبا ما يقعون في
أخطاء كبيرة".
ولفت فرغلي في تصريحاته لـ"عربي21"
إلى أنه "لا يمكننا الاعتماد في تفسيرنا للأحداث على مدرسة واحدة في التفسير
خاصة إذا لم تكن لدينا معلومات كافية ومؤكدة".
وأكدّ فرغلي في ختام حديثه أن العالم العربي
يتعرض لمؤامرة بالفعل، لكنها محكومة بقواعد الجغرافيا السياسية، وبعوامل الصراع
الدولي، ومعادلات الصراع الاجتماعي الداخلي بكل دولة" مشددا على أن "قصر
تفسير الأحداث والوقائع على نظرية المؤامرة يجعلنا بالفعل نقع في آفة اختزال
التفسيرات، مما ينتج رؤى تفسيرية قاصرة ومشوهة".