منحت وسائل الإعلام المصرية؛ الحكومية والخاصة، مساحة واسعة لتغطية احتجاجات "السترات الصفراء" التي تجتاح فرنسا منذ نحو أسبوعين، وسط مقارنات مع ثورة 25 يناير/ تشرين الثاني 2011.
ومالت أغلب وسائل الإعلام إلى تناول مظاهرات فرنسا باعتبارها "فزاعة" لإبعاد شبح أي احتجاجات محتملة بمصر، مبرزة حالة "الفوضى والخراب وتراجع السياحة" في هذا البلد.
وتشهد فرنسا، منذ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سلسلة احتجاجات لمجموعات تعرف بـ"السترات الصفراء"، ضد رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، وسط محاولات من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لتهدئة الأوضاع.
ووفق خبيرين مصريين بالإعلام وعلم الاجتماعي السياسي، تحدثا للأناضول، استخدم الإعلام المكتوب والمرئي عبارات وألفاظا كلها تسير في إطار "التخويف من تكرار تلك المشاهد الاحتجاجية وأثرها السلبي على البلاد".
كما استدعت وسائل الإعلام ثورة يناير المصرية للمقارنة، وسط تركيز على أن الاحتجاجات بوابة لنشر
الفوضى.
توصيفات "مخيفة"
وهيمنت على عناوين التغطية الصحفية بمصر، الاثنين، توصيفات "الفوضى" و"الدمار" و"سلب" و"تخريب" و"مواجهات" و"خسائر".
وركزت صحيفة "أخبار اليوم"، المملوكة للدولة في تغطيتها، الاثنين، في تغطيتها على عناوين: "اجتماع بالإليزيه لبحث فرض الطوارئ لمواجهة الفوضى"، مشيرة إلى أن "ماكرون يزور قوس النصر لتفقد حجم الدمار الناجم عن الشغب".
وكتبت صحيفة الأهرام المملوكة للدولة تقريرها عن الاحتجاجات، تحت عنوان: "الحكومة الفرنسية تعتزم التفاوض مع المحتجين وارحل تستقبل ماكرون".
وكان العنوان الرئيسي لصحيفة "اليوم السابع" الخاصة، هو "تراجع في حجوزات السياح.. أعمال السلب والتخريب تتزايد.. فرنسا ترجع إلى الخلف".
بدورها، استخدمت صحيفة "الشروق" الخاصة عناوين، منها: "السياح مذهولون من الفوضى والدخان والسيارات المحترقة في مدينة النور.. سائحة برازيلية: نشعر بالقلق، ولا نعرف ما إذا كنا بأمان أم لا، وأخرى أمريكية: الفوضى مخيفة".
كما نقلت صحيفة "المصري اليوم" الخاصة عناوين منها: "وزير الداخلية (الفرنسي) يلوح بفرض الطوارئ بعد تفشي أعمال العنف والتخريب".
استدعاء للماضي
في برنامجه المتلفز، مساء الاثنين، وجه الإعلامي المصري المؤيد للنظام، أحمد موسى، لومًا للشرطة بسبب "اعتداءاتها" ضد المحتجين، بعد حلقات متلفزة سابقة تحدث فيه عن حجم الدمار في فرنسا على يد "مخربين".
كما حذر الإعلامي المؤيد للنظام، محمد الباز، في برنامجه المتلفز، الأحد، من التخريب والتدمير الذي يحدث في احتجاجات فرنسا.
واستدعى في هذا الصدد أحداثًا وقعت إبان ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، منها حرق المجمع العلمي بالقاهرة، وشبّه الشباب الفرنسي بنظيره المصري إبان الثورة.
وفي السياق ذاته، خرجت تغطيات إعلامية تتهم جماعة الإخوان (تدرجها الحكومة إرهابية) بأنها تقف وراء تلك المظاهرات.
المحاكاة
يقول الأكاديمي المصري، صفوت العالم، المتخصص في الإعلام السياسي والرأي العام، للأناضول، إن وسائل الإعلام تعاملت بشكل متفاوت مع تغطية الأحداث، عن طريق محاكاة الأسلوب الإعلامي الذي كان متبعا آنذاك في تغطية ثورة يناير من حيث الأوصاف والإسقاط والانتقاد للتجاوزات الرسمية.
ويوضح العالم، الذي ترأس سابقًا لجنة لتقييم الأداء الإعلامي الحكومي في مصر: "هذا أسلوب إعلامي دولي يبحث فقط عن مصالحه، ويحدد أجندته وأولوياته وفقا لهذا الأمر".
البحث عن الاستقرار
الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، على مسافة قريبة من هذا الطرح، ويرى أن التوجه الإعلامي في أحداث باريس يستخدم ألفاظ تخويف، ويكررها؛ لإبعاد المصريين عن التقليد في ظل الغلاء بمصر.
ويضيف صادق: "لذلك ترى ألفاظ فوضى وتراجع السياحة" وتدمير وتشويه المتظاهرين، لأنه من ناحية أخرى سيساعد ذلك على تأكيد شرعية النظام (المصري) ويرجح كفة الاستقرار.
ويشير إلى لجوء وسائل إعلام إلى توجيه اللوم للسلطات الفرنسية، كأنه عقاب وشماتة من الدول الغربية التي شجعت ثورات الربيع العربي التي انطلقت أواخر 2010.
وعن مستقبل ذلك، يرى صادق أن الإعلام بمصر يسيطر على الرأي العام بشكل كبير، والمصريون ليس لديهم توجه للثورة، والاحتجاجات باتت لا تزيد المصريين إلا قلقًا في ظل واقع الغلاء.
ويشير إلى أن الإعلام أداة من أدوات أي نظام سياسي، وبالتالي يسعى لتثبيت أركانه بشكل يخدم توجهاته.
ضربات أمريكية متكررة في الداخل الليبي.. ما أهدافها ورسائلها؟
هل ستخرج ليبيا بالفعل من الأزمة بعد مؤتمر باليرمو؟