العلاقة بين حركة حماس وإيران محل جدل واسع منذ سنوات داخل صفوف
الحركة، وفي أوساط الشعب الفلسطيني بمجمله، خاصة في السنوات الأخيرة التي سجّلت
فيها العلاقة بين الطرفين ما يشبه الانهيار، أو التدهور بسبب الصراع في سوريا،
وانجرار حماس بشكل أو بآخر إلى اتخاذ موقف يتعلق بهذا الصراع.
سؤال
العلاقة بين طهران وحماس يتجدد بين الحين والآخر، ولا تحسم حركة حماس هذا الجدل
بشكل واضح، ما يجعل الحركة في نهاية المطاف تجلس في منطقة محايدة بين الجنة
والنار، فلا أصدقاء إيران ولا خصومها راضون بالموقف الرمادي للحركة، هذا فضلا عن
أن الموقف الرمادي المتردد للحركة حيال إيران يُشكل مادة دسمة لخصومها في عملية
شيطنتها المتواصلة.
في
الظروف الإقليمية الراهنة لم يعد ثمة مبرر للموقف المتردد من إيران، إذ تقتضي
مصلحة حماس اليوم أن تعيد ترميم العلاقات مع إيران، وأن تعترف بأن الموقف الذي
اتخذته عام 2012 أو اتخذه بعض قادة الحركة تجاه ما يجري في سوريا كان خطأ سياسيا،
إذ كان ينبغي النأي بالنفس عما يجري في سوريا، وعدم الانجرار إلى صراع داخلي لا
علاقة لحركة حماس ولا للفلسطينيين فيه، وهو الموقف الذي أغضب في ذلك الوقت كلا من
النظام في سوريا وحلفائه في طهران وبيروت. العلاقة بين حماس وإيران اليوم يتوجب أن
تكون مبنية على القواعد والأسس والمنطلقات التالية:
أولا:
حركة حماس منظمة فلسطينية تعمل تحت الاحتلال، وليست دولة عربية، وعليه فلا علاقة
لها بالصراعات التي تشهدها المنطقة، لا ما يتعلق منها بالثورات والتوترات الداخلية
ولا الصراعات البينية الإقليمية، وليس مطلوبا منها أن تتبنى موقفا من الصراعات
والأزمات في المنطقة أو تنحاز لطرف دون آخر، وهذا ينسحب على ما يجري في سوريا
واليمن.. وينسحب أيضا بكل تأكيد على مصر، إذ إنّ حماس ليست جزءا من جماعة الإخوان،
ولا علاقة لها بأزمة الجماعة مع النظام.
ثانيا:
إيران جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة حالها حال باقي مكونات منطقة الشرق الأوسط، ولا
علاقة للفلسطينيين أو لحركة حماس بالصراع بين طهران وبعض العواصم العربية، وليس
مطلوبا من حماس الانحياز لطرف دون آخر في هذه الصراعات، وعليه فالعلاقة بين حماس
وطهران تتساوى وتوازي العلاقة بين حماس وأي عاصمة عربية.
ثالثا:
إذا كانت إيران، على الرغم من الحصار المفروض عليها والأزمات التي تواجهها لا
تتخلى عن دعم الشعب الفلسطيني، ولا تتسابق نحو تل أبيب من أجل التطبيع مع الإسرائيليين
-كما يفعل بعض العرب- فمن الطبيعي أن تجد حركة حماس في إيران حليفا مناسبا، وهذا
ما فعلته كافة قوى التحرر على مر الأزمان، واختلاف الأمكنة عندما كانت تتحالف مع
النقيض الطبيعي لعدوها.
رابعا:
ادعاءات التشيّع والمخاوف من انتشار المذهب الشيعي التي يخرج بها بين الحين والآخر
البعض لتبرير العداء لإيران ليست سوى محض هراء لا معنى له، إذ إن الشيعة أولا
موجودون في العالم العربي أصلا، ووجودهم أسبق من الثورة الإسلامية في إيران
(1979)، وثانيا حركة حماس أو أي منظمة فلسطينية أخرى ليست سوى قوى سياسية لا حركات
دينية دعوية، وعليه فلا وصاية لها على عقول الناس ولا علاقة لها بمذاهب البشر
وطوائفهم.. وثالثا فإن الناس أينما كانوا -في فلسطين أو غيرها- أحرار في اعتناق
الدين أو المذهب أو الطائفة التي يرغبون بها، وإذا كان المسيحيون والدروز
والبهائيون وأتباع الديانات والطوائف الأخرى على اختلافها يعيشون في العالم العربي
بلا مشاكل، فمن باب أولى أن يأمن الشيعة على أنفسهم ودينهم ومذهبهم.
خلاصة
القول هو أن العلاقات بين حماس وأي دولة في العالم، بما فيها إيران، يجب ألّا تكون
محكومة بأزمات أخرى، وألّا تكون محكومة بالمجاملة لدول لا تقدم أصلا أي دعم للفلسطينيين،
بل تزحف نحو تل أبيب من أجل التطبيع وإقامة العلاقات معها. إيران كغيرها من دول
العالم موجودة في هذه المنطقة، وربما تكون مصلحة حماس في التحالف معها.
عن صحيفة القدس العربي