في 2 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018 تم اغتيال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ودوّت الأصوات في كل مكان مستنكرة لهذه العملية التي جلبت اللعنة على فاعليها في كل مكان في العالم، حيث أصبحوا في العرف الشعبي العالمي من المنبوذين أينما رحلوا.
فمنذ ثورات الربيع العربي، لم تشهد شاشات التلفزة ومواقع السوشال ميديا متابعة من قبل الجمهور العالمي لهذه الحادثة وما تلاها من نتائج غاضبة، وخصوصا بعد اعتراف
السعودية مؤخرا بوقوع هذه الجريمة الشنعاء، حيث انطلقت التهديدات الصريحة من العديد من الدول، بل وصل الأمر الي التهديد بفرض عقوبات ومناقشة ذلك في برلمانات الدول، وهذا إن دل فإنما يدل على تحول قادم في طبيعة الصراع الدولي.
وإلى جانب التصريحات السياسية الرسمية، دخلت النخب الفكرية في الغرب على الخط وأعادت ترتيب خطابها الموجه للضمير الإنساني، لتتناول هذه الحادثة بنوع مختلف عن جرائم الاغتيالات التي قامت بها الأنظمة في الشرق الأوسط بحق المفكرين والصحفيين. ويرجع الفضل إلى ذلك مكانة جمال خاشقجي في الوسط الغربي وبالخصوص الإعلامي، بسبب عمله كصحفي يكتب في العديد من الصحف الغربية.
لكن قد تكون حادثة الاغتيال هي المحركة للمياه الراكدة في المملكة العربية السعودية حول عملية تغيير نظام الحكم فيها، ولذلك أظهرت القضية طبيعة الحريات الزائفة التي يتبناها الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية متمثلة في رئيسها دونالد ترامب. فبعد إعلان النائب العام السعودي اعترافه بالجريمة، وتقرير المخابرات المركزية الأمريكية حول حادثة الاغتيال، جاءت تصريحات دونالد ترامب مشككة في تقرير سي آي إيه؛ بأنه غير واضح. ولا يعقل أن يتهم لأول مرة رئيس دولة جهاز مخابراته بأنه غير مهني وغير صادق، إلى جانب دفاعه عن
ابن سلمان ونفي التهمة عنه بحجة أن علاقاته بالسعودية مرتبطة بمئات الآلاف من الوظائف، ومثل ذلك تصريحه بتخليه عن المعايير المبادئ التي تحكم الولايات المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، وقوله إنه لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة، ولولا السعودية ما كانت قاعدة عسكرية كبيرة بالمنطقة.
ويتضح مما سبق ازدواجية المعايير التي تتبعها الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بحليف استراتيجي لها (
آل سعود)، وهذا يدلل على أن الولايات المتحدة لها خطوط خلفية مع نظام الحكم السعودي مرتبطة ارتباطة وثيقة بوجود إسرائيل في المنطقة.
ولكن في الواقع الذي نعيشه فلن تستطيع إدارة ترامب حماية نظام المملكة العربية السعودية بقيادة سلمان وابنه. فمع أحداث قضية الاغتيال، نستطيع القول إن التغيير قادم على نظام الحكم السعودي، وهناك العديد من الاحتمالات لهذا التغيير، وسنسرد كل احتمال مع شرح مبسط لكل احتمال:
الاحتمال الأول: تغيير من داخل العائلة
فمع المطالبات الدولية وتصريحات النخب الفكرية الغربية عن تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فإنه تجب محاسبته، وسوف يؤدي ذلك إلى عدم قدرة الملك سلمان وولي عهده على إحكام قبضتهما على السلطة. ويرجع ذلك لعدم قيامهما بتأمين بقائهما في السلطة وجذب أفراد العائلة لهم. بل على العكس، تم القبض على العديد من الأمراء وسجن بعضهم بتهم فساد مالي. ويمكن أن ينتج عن ذلك رغبة العائلة المالكة بتغيير رأس الحكم وولي عهده. ويظهر ذلك جليا في تصريحات الأمير السعودي المنشق المقيم في ألمانيا، خالد بن فرحان، بأنه يجب أن يعزل الملك وأن يتولى الحكم في المملكة مكانه الأمير أحمد بن عبد العزيز. ويتضح ذلك أيضا من عودة الأمير أحمد للمملكة بعد أشهر من الاستقرار في بريطانيا. وهذا الأمر مرتبط حدوثه بمدى قوة ونفوذ أفراد العائلة المالكة أمام قوة ونفوذ ولي العهد محمد بن سلمان.
الاحتمال الثاني: ثورة شعبية إصلاحية
فمع سجن الكثير من العلماء واتهامهم بقضايا ملفقة، وزيادة الغضب داخل التيار الإصلاحي في السعودية من حبس رموزه، كالشيخ سلمان العودة وغيره، فسوف يؤدي ذلك، مع ضعف وضع النظام السعودي وحالة الانقسام الظاهر داخل العائلة السعودية، والانتقادات الدولية الموجهة لرأس الحكم بعد جريمة الاغتيال، وانتقادات المنظمات الحقوقية للوضع الحقوقي داخل السعودية والأزمة الخليجية مع دولة قطر، وحرب اليمن والفشل السعودي فيها، إلى جانب أسباب داخلية مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية للمناطق المهمشة والأوضاع القبلية والمشاكل الموجودة فيها، بالإضافة إلى المنطقة الشرقية والغضب الشيعي الموجود هناك من سياسة النظام الحاكم.. قد يؤدي ذلك كله إلى ثورة إصلاحية قد يكون أدناها تغيير نظام الحكم إلى ملكية دستورية، كما ينادي بذلك أفراد من داخل العائلة نفسها.
الاحتمال الثالث: ظهور التيار الجهادي وخلق حالة من الفوضى لتغيير النظام
ونتيجة لسيولة الحكم الموجودة في المملكة العربية السعودية، فقد يؤدي ذلك إلى تنامي التيار الجهادي في السعودية، والمعلوم أنها أخصب الأراضي لهذا التيار الذي قد يستغل حالة الفوضى التي قد تحدث في أي وقت داخل الممكلة للظهور وخلق حالة من العمل المسلح ضد العائلة السعودية. فانشغال الأجهزة الأمنية بالحرب في اليمن سيساعد هذ التيار بشكل كبير، وسيجد الداعمين له من الداخل والخارج، سواء من إيران وغيرها، وسواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ونتيجة لحالة التغريب الذي يسعى لها ابن سلمان، والتي يستهجنها طبقة كبيرة من المجتمع السعودي المحافظ سوف ينمو هذا التيار بشكل كبير، وسوف يجد الحاضنة الشعبية له.
الاحتمال الرابع: الثورة الشيعية في المنطقة الشرقية
فالوضع في المنطقة الشرقية على أهبة الاستعداد للتخلص من نظام الحكم السعودي إذا أتيحت له الفرصة. فأهل هذه المنطقة الذي ينتمي معظمهم للمذهب الشيعي؛ هم في حالة غضب منذ سنوات بسبب التعامل القمعي معهم من قبل أجهزة الامن السعودية.
الاحتمال الخامس: تجاوز ابن سلمان هذه الأزمة
وهذا الاحتمال رغم ضعفه، لكنه وارد في ظل عالم تحكمه مصالح مادية في المقام الأول، كما صرح بذلك ترامب عند حديثة عن مدى استفادة أمريكا من أموال السعودية، بالإضافة إلى وضع إسرئيل المرتبط بوجود نظام الحكم السعودي القائم، كما صرح أيضا.