مقالات مختارة

«بريكست» يدخل أخطر مراحله

1300x600

أتمنى أن تلاحظ جيدا إذا ما كان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنر سينطق بعبارة «التقدم الحاسم» خلال الأيام القادمة. فإن حدث، فسوف تكون هذه العبارة دليلا على أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد اتفقا على شروط الطلاق، وحينها ستُعقد القمة وسيتصاعد الدخان الأبيض في الهواء.


ستكون تلك هي اللحظة الفاصلة بعد مفاوضات درامية دامت 16 شهرا، وسيعني ذلك أن الطرفين قد وصلا إلى اتفاق عريض يتضمن الاتفاق على المشكلة المحيّرة الخاصة بالحدود بين إيرلندا وشمال إيرلندا. لكن المصافحة باليد التي ستجري بين كبير مفاوضي الجانبين على الطاولة، أقولها بصوت خافت: ستكون الجانب الأسهل؛ إذ إن الجانب الأصعب يتعلق بما إذا كان البرلمان البريطاني، الذي لم يصوّت عليها بعد، سيصدّق عليها، وهو أمر لا يمكن الجزم بحدوثه.


وتجادل رئيسة الوزراء البريطانية بأنه ليست هناك أغلبية في البرلمان للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون إبرام اتفاق، وأن الاتفاق هو السبيل الوحيد لأي خروج منظّم.


إن أعضاء البرلمان يدفعون مجددا إلى السير في الاتجاه ذاته، ومنهم أرلين فوستر، رئيسة «الحزب الاتحادي الديمقراطي» الإيرلندي الشمالي، الذي تعتمد عليه تريزا ماي للحصول على الأغلبية في مجلس العموم. ففوستر تعارض أي اتفاق يجري التعامل بشأنه مع إيرلندا الشمالية بطريقة تختلف عن باقي مناطق المملكة المتحدة.


وفي رسالة حصلت صحيفة «ذا تايم» على نسخة منها، طالبت فوستر بتأكيد من ماي أنها لن توقّع على اتفاق من شأنه أن يُحدث انشقاقا في المجتمع. ولا تزال لغة ماي، كما تراها هي، تسمح بترسيم حدّ بحري في بحر إيرلندا. وقد حذّر سامي ويلسون، عضو الحزب الاتحادي الديمقراطي، الجمعة، من أن الحزب سيرفض أي اتفاق يستند إلى محتوى خطاب ماي. وفي هذا الصدد، قال ويلسون في تغريدة عبر موقع التواصل «تويتر»، إن «رئيسة الوزراء تدرك العواقب وعليها التفكير مليا الآن». وصرح وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي، ديفيد ديفيس، الذي ترك الحكومة إثر الإعلان عن خطة ماي الإبقاء على العلاقات التجارية والتبادل السلعي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الخميس الماضي، بأن الهزيمة في مجلس العموم «تبدو محتملة». وتتعرض الحكومة لضغوط لنشر النصائح القانونية التي تتلقاها والخاصة بالاتفاق، التي تعطي أعضاء البرلمان غطاء أكبر لرفضها.


ويقول حزب العمال المعارض إنه يريد تجنب الخروج من دون صفقة. لكن أحد الاختبارات الستة التي حددها الحزب لتحديد ما إذا كان سيساند أي اتفاق، ينص على أن الاتفاق يجب أن يعطي «نفس المزايا» التي تتمتع بها المملكة المتحدة حاليا، باعتبارها عضوا في اتحاد السوق والجمارك الواحدة. فقد بات من الواضح منذ فترة طويلة أن هذا لن يحدث.


تتودد ماي لأعضاء البرلمان من حزب العمال، وباتت تتحدث عن مختلف الأحزاب وعن المصلحة الوطنية، لكن من غير الواضح إذا كان لديها منشقون بما يكفي لإنقاذ الاتفاق. وفي الوقت الراهن، فإن مجموعة الحملة الشعبية القوية داخل حزب العمال، تريد أن يصوّت أعضاء البرلمان ضد اتفاق ماي. وقد حذّر وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي في حكومة الظل، كير ستارمر، نفسه الأسبوع الجاري من أن «بريكست الأعمى» - الذي لا يتضمن شروطا واضحة للمستقبل - سيكون ضارا بالتجارة والأعمال.


إن الجدول الزمني ضيق، والحسابات البرلمانية أبعد ما تكون عن الوضوح. وإذا ما رفض مجلس العموم الاتفاق، فربما يطلب المجلس من الأعضاء التصويت مرة أخرى. قد تحاول ماي الفوز بالمساندة بعرض الفرصة على أعضاء البرلمان للتدقيق فيها والتصويت على الاتفاق التجاري القادم مع الاتحاد الأوروبي (في الوقت الحالي، البرلمان الأوروبي يصوّت عليها بصورة منفصلة، لكن مجلس العموم لن يفعل ذلك). وقد يسعى أعضاء البرلمان أيضا إلى تعديل سرعة التصديق على اتفاق الانسحاب، الأمر الذي سيعقّد من إجراءات التصديق.


قالت ماي إن البديل لتصديق البرلمان لا يتمثل في المفاوضات المستقبلية، لكن في عدم الوصول إلى اتفاق من الأساس. ليس هناك تهديد معلّق وليس هناك سبب يجعل المملكة المتحدة تغيّر من موقفها فجأة. يعلم بارني أن حكومة المملكة المتحدة، رغم الإخطارات الفنية التي تصدرها بهذا الشأن، ليست مستعدة للخروج من دون اتفاق، وهو ما أكده وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي دومينيك راب الأسبوع الماضي، حيث ذكر أمام مؤتمر اقتصادي أنه اكتشف مؤخرا اعتماد بريطانيا الكبير على معبر «دوفر كاليه»، حيث يمر نحو 20 في المائة من تجارة المملكة المتحدة وبضائعها عبره.


حال رفض مجلس العموم اتفاق الطلاق، ستكون الحكومة مطالَبة بإصدار بيان في غضون 21 يوما، توضح فيه نهجها القادم. ومن الوارد أن يتسبب رد فعل عنيف في الأسواق في دفع البرلمان لإعادة التفكير، ولذلك يظل التصويت الثاني أمرا واردا.


لكن ماذا سيحدث لو أن الحكومة قررت المضيّ قدما في طريق الخروج الأوروبي من دون إبرام اتفاق، خصوصا أنه لا توجد أغلبية واضحة في البرلمان بشأن الخروج من دون اتفاق؟ في هذه الحالة، ستكون الحكومة عُرضة على الأرجح للتصويت بسحب الثقة.


ربما تمر الأيام والأسابيع القادمة كما مرت سابقتها، أي من دون جديد في الأفق. لكن لو أن بيرنر ذكر كلمة «تقدم حاسم»، فعلينا حينها أن نتذكر تعويذته المفضلة التي تقول: «لقد اتفقنا على ألا نتفق».

 

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية