صمد ستيفان دي ميستورا في مهمته السورية أكثر من سلفيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي. كل منهما أمضى سنتين في متابعة تطورات الأزمة، أما دي ميستورا فقد كرس أربع سنوات لمهمة باتت شبه مستحيلة. توفي أنان وعاد إلى بلده غانا معززا مكرما ولم ير حلا في سوريا، فيما يتقاعد الإبراهيمي، مواصلا مسيرته في خدمة بلده الجزائر ومنظمة الأمم المتحدة. واليوم إذ ينكفئ دي ميستورا، فإن الآمال التي كان يحملها مع زميليه في شأن إحداث فرق على أرض الشام تبددت، والدور الذي كانت الأمم المتحدة تعول عليه ذهب مع الرياح الروسية والأمريكية والإيرانية والتركية.
عمليا، انكفأ دور الأمم المتحدة منذ قبولها التحول إلى ضيف في مؤتمرات آستانة التي انطلقت في 23 كانون الثاني (يناير) 1917. فبدل أن يستمر التفاوض من أجل حل متوازن في سوريا استنادا إلى المبادئ التي عمل عليها أنان (بيان جنيف 2012 خصوصا)، وفي إطار الأمم المتحدة وداخل مقراتها وبرعايتها، انتقلت الرعاية إلى روسيا ومعها إيران وتركيا و «دعي» دي ميستورا للمشاركة كضيف شكلي. وفي الجولة الآستانية الأولى جرى تأكيد الحل السياسي في سوريا، واتفقت البلدان الثلاثة على آلية لوقف إطلاق النار، وردا على طلب المعارضة ممثلة بمحمد علوش (جيش الإسلام) وقف النار على كامل الأراضي السورية، وعدت روسيا بالطلب الصارم إلى النظام وقف العمليات في وادي بردى.
كان القرار الموازي لجولات آستانة هو الحسم العسكري من قبل الروس والإيرانيين، وفي استعادة لسبعة اجتماعات عقدت في العاصمة الكازاخية يمكن قراءة الخط البياني للنتائج، حيث تحولت مناطق خفض التصعيد (أقرت في الجولة الخامسة، تموز- يوليو، آب- أغسطس 2017)، إلى مناطق عمليات وتطهير وإجلاء للمسلحين وأهاليهم لتجميعهم في محافظة إدلب.
أنتجت آستانة إنهاء المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة، وظهرت صورة الإرهابيين المتبقين في «داعش» و «القاعدة» المحكوم عليهم دوليا بالفناء. ووضعت السوريين والعالم أمام معادلة وحيدة قوامها استمرار الأسد ومنظومة حكمه، ولم يحظَ ممثل الأمم المتحدة طوال تلك الجولات سوى بورقة سيبقى يتسلى بها حتى رحيله، هي ورقة لجنة الدستور التي رماها الروس في آستانة (14 آذار- مارس 2017 ) فتلقفها دي ميستورا، وسيرحل فيما النظام يدقق بالأسماء التي اقترحتها الأمم المتحدة للجنة، فيرفض ويقبل بحسب التقارير الأمنية ووقائع أرشيفات الأمن.
استهلكت سوريا الأمم المتحدة ومبعوثيها أكثر مما استهلكته قضايا متعبة أخرى، وليست المسؤولية على المبعوثين، فهم ديبلوماسيون يتمتعون بامتيازات المنظمة الدولية وبعضهم يبذل جهودا مضنية. الأمم المتحدة هي المسؤولة والضحية في آن، وفي سوريا حيث يخوض الروس والأمريكيون وإلى جانبهم الإيرانيون والأتراك معاركهم الجيوسياسية الحاسمة، يشل دور الهيئة الدولية الأبرز وينتقل مبعوثوها إلى تقاعد مريح.
عن صحيفة الحياة اللندنية