"يحرص" الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ حملته الانتخابية، وتاليا وهو على كرسيه في البيت الأبيض، أن يضمن لنا، من حين إلى آخر، بعض التصريحات والمشاهد، التي تفرض علينا الضحك، إلى درجة القهقهة. وفي الأيام الأخيرة، كان نصيبنا أن نضحك أكثر، حينما أعلن أنه "يحب حل الدولتين".
واعتقد أن من ضحكت معنا هذه المرّة، هي "الترويكا" الصهيونية المتطرفة في محيط ترامب. وتتعاظم السخرية أمام "الزفة" الساخنة في الصحافة الإسرائيلية، التي خرجت بعناوين صارخة، رغم معرفتها بحقيقة نوايا ترامب، وأي دولة فلسطينية يقصد.
ممارسات ترامب على مدى ما يقارب العامين في البيت الأبيض، لم تترك لنا مجالا للإبحار في تفسير "محبته" المفاجئة لحل الدولتين. فحتى محللون وخبراء وساسة وقادة أجهزة أمنية إسرائيليون، باتوا يضيقون ذرعا بسياسته وقراراته ضد الشعب الفلسطيني. ليس حرصا على مصلحة الشعب الفلسطيني، وإنما لقناعتهم بأن مسلسل هذه الإجراءات العدوانية، ستقرّب الانفجار الفلسطيني في وجه الاحتلال.
وهذا كلام بات مكشوفا على الملأ. إذ لا يمر يوم، إلا ونقرأ مقالا أو تصريحا إسرائيليا على الأقل، يحذر مما يصدر عن البيت الأبيض. وقبل أيام، شرح محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، بالتفاصيل، الخلفية الصهيونية اليمينية الاستيطانية المتطرفة، "للترويكا" التي تملي على ترامب مشورتها بخصوص القضية الفلسطينية: مستشاره، وزوج ابنته، جارد كوشنير، ومستشاره للقضية الفلسطينية جيسون غرينبلات، والسفير لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. فهؤلاء من يلقنون ترامب بما يفعل.
وكما يبدو أن ما قاد ترامب لإطلاق هذا التصريح، ردود الفعل في الشرق الأوسط الرافضة لما يسمونه هناك "صفقة القرن" لحل القضية الفلسطينية، التي تنسجها، بالتأكيد، تلك الترويكا الصهيونية المتطرفة، وفق ما تشير وتلمح له طيلة الوقت، وسائل إعلام إسرائيلية. ولربما اعتقد ترامب أنه مجرد ذكر "الدولتين"، فإنه قد يُحدث اختراقا للحاجز الذي يمنعه من الإعلان عن مبادرته.
وكما قيل طيلة الوقت، فإن الإجراءات التي أقدم عليها ترامب وفريقه في البيت الأبيض، لم تترك شكا في طبيعة خطته المفترضة. فهذا تجلى من خلال التصريح بشأن القدس المحتلة، لتكون عاصمة لدولة الاحتلال، وتقليص ثم قطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، ووكالة غوث اللاجئين.
والسعي لشطب مكانة اللاجئين لملايين الفلسطينيين. وقطع مساعدات مالية إنسانية عن مستشفيات القدس المحتلة. وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وكان ترامب قد "تباهى" ببعض من هذا، في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أيام.
أمام هذا، فبالتأكيد أن "الدولة" التي "يحبها" ترامب، لن تكون بعيدة عن الدولة التي عرضها شريكه بنيامين نتنياهو، في ما عُرف بتسمية "خطاب جامعة بار إيلان"، في حزيران العام 2009، إذ عرض دولة منزوعة الصلاحيات، سوى إدارة الشؤون اليومية، محاصرة من الجهات الأربع ومن الجو. لا سيطرة لها على الموارد الطبيعية، ومنزوعة السلاح. ثم على مدى السنوات التسع الماضية، عملت حكومات نتنياهو، بما فيها الحالية، على توسيع الاستيطان، وتكثيفه بشكل مدروس، يهدف إلى خلق أحزمة استيطانية، تمنع تواصلا بين التجمعات السكانية الفلسطينية.
ابتداء من يوم الثلاثاء المقبل، تكون إسرائيل قد أنهت موسم الأعياد العبرية الذي استمر ثلاثة أسابيع، وتبدأ الاستعداد لافتتاح الدورة البرلمانية الشتوية للكنيست، في منتصف الشهر المقبل. والسؤال المطروح، كم من الوقت سيستمر عمل هذه الدورة، التي من المفترض أن تنتهي في أواخر شهر آذار المقبل.
ولكن لا يمكن لهذه الدورة أن تصل إلى ذلك التاريخ، بل من المفترض حل الكنيست، تمهيدا لانتخابات برلمانية، ستجري قبل موعدها القانوني ببضعة أشهر. ما يعني أن إسرائيل ستكون منشغلة بذاتها. في حين أن ترامب يترقب ما ستأتي به الانتخابات التشريعية النصفية، في مطلع تشرين الثاني، وسط توقعات بأن يفقد حزبه الجمهوري الأغلبية، إما في الكونغرس أو مجلس الشيوخ، أو في كليهما.
وخلال هذه الفترة، من المستبعد أن نرى حراكا سياسيا. باستثناء جرافات الاحتلال التي ستواصل المشاريع الاستيطانية، وبموازاتها، ستواصل ماكينة القتل الإسرائيلية حصد أرواح المقاومين، في المقاومة الشعبية العزلاء.
عن صحيفة الغد الأردنية