تقدير استراتيجي يدعو الفلسطينيين إلى التوحد ضدّ "صفقة القرن"
لندن- عربي2127-Sep-1803:39 PM
شارك
ترامب ونتنياهو كوشنير
حذّر تقدير استراتيجي من التداعيات التي وصفها بـ"الخطيرة" لـ"صفقة القرن" في حال تم تمريرها، ورأى أنها أقرب لتصفية القضية الفلسطينية من أن تكون خطة تسوية.
وأكد تقدير صادر اليوم الخميس، عن مركز "الزيتونة للدراسات والاستشارات"، أن "الصفقة" تواجه بعد نحو عام من التسريبات حالةً من التعثُّر، في ضوء الإجماع الفلسطيني على رفضها، وحالة التراجع و"البرود" العربي تجاهها، وحالة الارتباك في أداء السياسة الخارجية الأمريكية.
فُرَص ضعيفة
لكن التقدير أشار إلى أن ذلك لا ينبغي أن يُقلل من خطورة المحاولات الأمريكية الجارية لحسم بعض قضايا الحل النهائي، بما يخدم التصور الإسرائيلي، من خلال فرض الحقائق على الأرض، وخصوصاً القدس واللاجئين؛ كما أنه لا ينبغي أن يقلّل من خطورة حرف بوصلة الصراع، من خلال تشكيل تحالف عربي-إسرائيلي، بما يعزز الصراع الطائفي ويقطع الطريق على قوى التغيير والإصلاح في المنطقة.
وقال التقدير: "تبدو فرص نجاح الصفقة ضعيفة في الظروف الراهنة، بينما يبقى سيناريو فشل الصفقة أمراً مرجحاً. وفي الوقت نفسه، فإن ثمة سيناريو ثالثَ يجب أن يبقى تحت المراقبة وهو محاولة تمرير الصفقة بعد تأهيل الحالة الفلسطينية والعربية لقبولها، من خلال تلميع طرف فلسطيني ملتزم بمسار التسوية، باعتباره صامداً ومحافظاً على الحقوق الفلسطينية، ثم تحقيقه لتسوية يبدو أنه أنجز فيها مكاسب مهمة، بينما يتم تمرير قضايا خطيرة مرتبطة بالقدس واللاجئين والسيادة والاستيطان، باعتبارها تضحيات ضرورية لإدارة المرحلة".
مُجرّد صفقة
ولفت التقدير إلى أن "الوجه البئيس للمصطلح هو أنه تعامل مع أهم وأخطر قضية صراع عالمية باعتبارها مجرد صفقة، وحاول نزع حساسية ومكانة وحيوية وقدسية فلسطين، ليتعامل معها كسلعة، وليس كقضية حرية وعدل وكرامة. كما أن الصفقة في جوهر أفكارها المطروحة هي عملية تصفية وليس تسوية للقضية الفلسطينية".
وأرجع التقدير السبب في ذلك إلى ما وصفه بـ "حالة الضعف والتردّي الشديد في البيئة العربية والإسلامية، وحالة الضَّعف والانقسام الفلسطيني"، التي قال بأنها "شجعت الإدارة الأمريكية بخلفياتها اليمينية والشعبوية، على محاولة تقديم مشروع تسوية يتناسب مع المعايير الإسرائيلية؛ ومحاولة قطف ثمار حالة العلو التي يشهدها المشروع الصهيوني، في مقابل حالة التردي التي تشهدها الأمة".
وأكد التقدير أن "ما تسرّب من الصفقة التي لم تُنشر رسمياً حتى الآن، هو أقرب إلى حزمة أفكار إسرائيلية أعدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقدَّمةً في ثوب أمريكي".
معالم الصفقة
وأوضح التقدير أنه وبالرغم من أنه لا يوجد نصٌّ رسمي يُرجع إليه، إلا أنه من مجمل متابعة التسريبات التي نُشرت عن طريق الأمريكان أو المسؤولين العرب والإسرائيليين أو بعض الشخصيات والمؤسسات القريبة من صُنَّاع القرار، يمكن الوقوف عند أبرز معالم هذه "الصفقة"، وهي:
1ـ حكم ذاتي للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة (يمكن أن يُسمى شكلياً دولة)، وبالتالي إسقاط مشروع الدولتين (وفق الحد الأدنى الفلسطيني)، وإغلاق الطريق أمام تحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة ذات سيادة؛ مع الإعلان عن "جزرة" هي إمكانية تطوير الحكم الذاتي بناءً على "حُسن سلوك" الفلسطينيين!!
2 ـ إخراج قضايا الحل النهائي من التسوية السلمية، وحسمها لصالح المعايير الإسرائيلية، وأبرزها: بقاء القدس (بما في ذلك البلدة القديمة التي تحوي المسجد الأقصى) تحت السيادة الإسرائيلية؛ واصطناع "قدس جديدة" للفلسطينيين مركزها أبو ديس؛ وانسحاب إسرائيلي من بعض أحياء القدس، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ويتم حلّ قضيتهم من خلال التوطين والتعويض، وبقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (نحو 190 مستوطنة) وشرعنة البؤر الاستيطانية القائمة (نحو 100)، ولا سيادة "للدولة الفلسطينية" المقترحة (الحكم الذاتي/ الكانتون) على الأرض، ولا سيطرة له على الحدود، ولا على مجاله الجوي، ولا على المياه.
وأضاف التقدير: "ووفق ذات التسريبات، فلن يكون هناك انسحاب إسرائيلي إلى حدود ما قبل حرب حزيران/ يونيو 1967، وستبقى السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وما وراء الجدار العنصري العازل (نحو 12% من الضفة)؛ مع طروحات بأن تبقى السيادة على كافة على كافة مناطق ج في الضفة أي 60% من مساحتها الكلية (تحت النقاش)، كما لن يكون للفلسطينيين جيش عسكري، وإنما قوة شرطة تحافظ على الأمن الداخلي".
3 ـ اعتراف العالم أجمع بـ"إسرائيل" دولة قومية لـ"لشعب اليهودي"، وبـ"الكيان الفلسطيني" دولة قومية للشعب الفلسطيني.
4 ـ التركيز على "السلام الاقتصادي"، ومحاولة تقديم الصفقة في صورة عملية تنموية اقتصادية للفلسطينيين وللمنطقة.
5 ـ التطبيع قبل التسوية: من خلال إيجاد موافقات من الدول العربية الرئيسية المعنية بالشأن الفلسطيني (خصوصاً: مصر، والسعودية، والأردن) على الصفقة، بحيث يتم محاصرة الفلسطينيين وعزلهم، ونزع ورقة القوة العربية من أيديهم، باتجاه فرض التسوية عليهم.
6 ـ حرف بوصلة الصراع: من خلال السعي لإنشاء تحالف إقليمي عربي-إسرائيلي ضدّ إيران من جهة؛ ويستهدف من جهة أخرى تيارات الإسلام السياسي، وحركات وقوى التغيير والثورة في المنطقة. بما يضمن استقرار الأنظمة السياسية المتوافقة مع السياسة الأمريكية في المنطقة.
قضايا عالقة
ولفت التقدير الانتباه إلى بقاء عدد من القضايا محلَّ نقاش مثل: المساحة التي ستُسلم للفلسطينيين من الضفة الغربية، ووفق أي مراحل وشروط؟! والممر بين الضفة الغربية وقطاع غزة وطبيعته وإدارته، وما إذا كانت ستتم عملية "تبادل أراضٍ" لتعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي تقع عليها المستوطنات الإسرائيلية، أو لا ترغب قوات الاحتلال بالانسحاب منها، وكيف سيتطور الشكل الانتقالي للكيان الفلسطيني الذي سيسمى "دولة"، وما إذا كان هذا الكيان، سيُضم إلى كونفدرالية مع الأردن أم لا؟! وكيف سيتم إنهاء "حكم حماس" في قطاع غزة؟! وما هي الأحياء التي يمكن أن تُضم إلى أبو ديس لتشكل عاصمة فلسطين؟
ولفت التقدير الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية سعت إلى إدارة "الصفقة" بشكل مختلف عن النمط التقليدي السابق لطرح مبادرات التسوية، وذلك من خلال فرض "الإملاءات" بدلاً من المفاوضات، وعدم الإعلان عن الصفقة رسمياً، والمحافظة على قدر من الغموض والتأخير والتسريبات، لمتابعة الضغوط، وتحقيق قدر من التهيئة النفسية، ومحاولة إيجاد بيئات قبول مناسبة، والسعي لممارسة ضغوط قاسية على الطرف الفلسطيني من خلال محاولة عزله، ونزع ورقة القوة العربية من يده، واستخدامها للضغط عليه، ومحاولة الحصول على قبول الأطراف على الخطوط الرئيسية للصفقة، قبل الإعلان الرسمي عنها، سعياً لقطع الطريق عن الاحتمال المبكر لفشلها وسقوطها، وإعطاء "الصفقة" نوعاً من المرونة، بحيث تبدأ من السقف الإسرائيلي الأعلى ويتم "التراجع" أو التخفيف باتجاه الطرف الفلسطيني باعتبارها "تنازلات"، وخلط الأوراق، من خلال التركيز على "السلام الاقتصادي"، أو مدخل "غزة أولاً" بحجة تخفيف معاناة القطاع، والاستفادة من ذلك لإضعاف حماس وخط المقاومة، وكذلك للضغط على عباس، للإيحاء بإمكانية تجاوزه إذا لم يتجاوب مع الصفقة.
الفشل هو الأقرب
وبعد أن أشار التقدير إلى أن أن "الصفقة" بعد نحو عام من الحديث عنها تُعاني من التعثّر، وأن حالة الحماس الأمريكية للصفقة التي ظهرت مطلع سنة 2018، مترافقة مع حماسة عربية خليجية قد تراجعت بالتدريج، أكد أن سيناريو فشل الصفقة، باعتبار أنها لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يقبل به أي طرف فلسطيني، بما في ذلك الأطراف المؤيدة لمسار التسوية، هو الأرجح.
لكنه في الوقت ذاته لم يستبعد، سيناريو تمرير الصفقة بعد "تأهيل" الحالة الفلسطينية والعربية والإسلامية لقبولها، كما أنه لم يستبعد نجاح الصفقة وفق الشروط والمعايير الأمريكية المعروضة حالياً أو حسبما تسرب من الصفقة: على أساس متابعة الولايات المتحدة إصرارها على إنفاذ خطوط التسوية عملياً على الأرض.
الوحدة الوطنية مطلوبة
ودعا التقدير إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتنسيق الجهود كافة في مواجهة "الصفقة"، وإصدار ميثاق تتعاهد فيه القوى والفصائل والرموز الفلسطينية على المحافظة على الثوابت، ورفض "صفقة القرن" وأي صفقة أو تسوية تنتقص من الحقوق الفلسطينية.
كما أنه أوصى بالعمل على إنفاذ اتفاق المصالحة الفلسطينية الموقع في 2011، وتوافقات بيروت في 2017، وعقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي، وإعادة بناء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بما يتوافق مع إعادة القوة والحيوية للمشروع الوطني الفلسطيني.
وطالب التقدير الرئيس محمود عباس للرفع الفوري للإجراءات العقابية عن قطاع غزة والدعوة العاجلة إلى عقد الإطار القيادي الموحد للشعب الفلسطيني، وتفعيله كإطار لحماية الحقوق والثوابت الفلسطينية، إلى حين إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
ودعا أيضا إلى تفعيل مؤسسات العمل الشعبي والنقابي في الداخل والخارج، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، ورفع سقف الحريات في مناطق سيطرة السلطة، وحماية كرامة وعزة الإنسان الفلسطيني، وتفعيل دوره في التنمية السياسية والمجتمعية والنضالية.
يذكر أن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات هو مؤسسة دراسات واستشارات مستقلة، تأسس في بيروت، في منتصف عام 2004، ويُعنى بالدراسات الاستراتيجية واستشراف المستقبل، ويُغطي مجالُ عملِهِ العالمين العربي والإسلامي، ويعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية، وكل ما يرتبط بذلك من أوضاع عربية وإسلامية ودولية.
ويأتي تقدير مركز الزيونة، في وقت تعيش فيه جهود المصالحة التي تقودها وترعاها مصر بين حركتي "حماس" و"فتح" مأزقا حقيقيا، وتستعد السلطة الفلسطينية لإقرار عقوبات جديدة بحق قطاع غزة، ولا يزال الغموض يلف مصير جهود التهدئة بين حماس والاحتلال.