العاشر من المحرم، وهو
يوم عاشوراء، ذلك اليوم الذي نصر الله نبيه موسى عليه السلام على فرعون، ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسأل عن ذلك، فقالوا: ذاك يوم نجَّى الله فيه موسى من فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بموسى منهم". وأمر صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء، وهو درس كبير للمسلم وللعالم بأن الإسلام
دين وفاء لكل الرسالات السماوية، فإيمان المسلم لا يتحقق إلا بالإيمان بكل رسل الله جميعا، (لا نفرق بين أحد من رسله) البقرة: 285.
نلمح هذا الوفاء العجيب في الإسلام الذي لا نلمحه في أي دين آخر؛ لكل الرسالات السماوية السابقة، ونرى كثيرا من تشريعات الإسلام فيها هذا التقدير والوفاء، فالإسلام دين الحنيفية السمحة، نسبة إلى الحنيف إبراهيم عليه السلام، وفي ذلك يقول تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) آل عمران: 67، ويقول تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) الحج: 78.
وفي مشاعر الحج نرى معظم أفعاله امتدادا دينيا لنبي الله إبراهيم عليه السلام، فالطواف حول الكعبة التي بناها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليه السلام. والسعي بين الصفا والمروة، تذكير بما حدث لابنه إسماعيل وزوجه هاجر، عندما عطشت وابنها ولم تجد ماءً تسقيه، فسعت سبعة أشواط بين الصفا والمروة، واستنانا بهذه المرأة الصالحة، كان السعي بين الصفا والمروة ليتذكر المسلمون موقفها، ويستلهموا منه العظة والعبرة. ورمي الجمرات، والأضحية، هي لون من ألوان الوفاء والشكر لله على نجاة نبي الله إسماعيل، ونجاحه وأبيه في الاختبار، (وفديناه بذبح عظيم) الصافات: 107.
ورأينا وفاء وتقدير القرآن لنبي الله عيسى عليه السلام، فلا توجد في القرآن الكريم سورة باسم أم محمد صلى الله عليه وسلم وهو نبي الإسلام، ووجدنا سورة باسم أم المسيح عليه السلام، سورة (مريم)، ولا توجد سورة باسم أسرة محمد صلى الله عليه وسلم (بنو هاشم)، بل وجدت سورة باسم أسرة المسيح سورة (آل عمران).
ويقول صلى الله عليه وسلم عن أحقيته بعيسى عليه السلام: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة" قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "الأنبياء إخوة من علَّات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي".
وفي حديثه عن نبي الله داود عليه السلام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما"، وعن تقديره له من ناحية حبه للعمل، وأكله من عمل يده، فيقول صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام، كان يأكل من عمل يده".
ورأينا وفاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لنبي الله سليمان، وذلك عندما تعرض له أحد الجن، فأمسك به صلى الله عليه وسلم وربطه في سارية من سواري المسجد، كي يراه الناس إذا أصبحوا، ولكنه تذكر دعوة نبي الله سليمان: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي)، وهذه كانت من خصائص نبي الله سليمان، فلم يرد أن يشترك معه في أمر انفرد به، وفاء له، وحفظا لمكانته وما اختص به صلى الله عليهما وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي)".
وقد ترسخت ثقافة الوفاء والتقدير للرسالات السماوية ورسلها عند المسلمين كذلك في سلوكهم وحياتهم، فنرى المسلمين يسمون أبناءهم بأسمائهم حبا وتبركا، بنفس الحب الذي يكنونه لنبيهم صلى الله عليه وسلم، فنرى المسلمين يسمون أبناءهم: موسى، وإبراهيم، وسليمان، وداود، ويعقوب، وإسحق، وكلهم من أنبياء بني إسرائيل، بل نجد المسلمين ينفردون عن أتباع كل الديانات، فيسمون أبناءهم باسم (عيسى) رغم أن المسيحيين أنفسهم وهم أتباعه، لا يسمون أبناءهم باسمه.
ويسمي المسلمون بناتهم بأسماء: مريم، وهاجر، وسارة، جنبا إلى جنب مع أسماء أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم: خديجة، وعائشة، وميمونة، وغيرهن، حبا في أمهات الأنبياء والمرسلين، وتقديرا وتبركا عل أن تقتبس بناتهن من أخلاق وصفات هؤلاء النسوة الطاهرات الصالحات.
فعاشوراء وصومه عند المسلمين دلالة وتوثيق لهذا الوفاء الذي أرساه القرآن والسنة النبوية، وهو ما يفتقده بعض المسلمين في الفهم في تعامله مع الآخر المختلف معه في العقيدة.
Essamt74@hotmail.com