ربما نزلت الأخبار السالبة عن سد النهضة بردا وسلاما على القاهرة، وإن لم تظن القاهرة أن تلك الأخبار تعني نهاية المشروع الضخم الذي طالما أرقها، لكن تلك الأخبار تصلح — على الأقل — للاستثمار السياسي على المستوى الداخلي باعتبارها تتويجا لجهودها مقاومة فكرة المشروع. ومن ناحية أخرى وعلى اعتبار أن ما حدث في أثيوبيا هو نوع من المراجعة وترتيب الأولويات وليس تراجعا، فإن ما حدث يعتبر فترة استراحة ومحاولة استعادة الأنفاس بالنسبة للمخابرات المصرية على وجه الخصوص وهي التي جعلت من مقاومة السد الأثيوبي الهدف رقم واحد على مدى السنوات الماضية حيث ظلت لاهثة ومنهكة.
وبدأ العمل الاستخباراتي المصري بشأن السد الأثيوبي منذ
عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك فقد كشف ملف التحقيق في قضية تبديد مبلغ (4)
ملايين دولار أمريكي أنها منحت كرشوة لثلاثة رؤساء أفارقة بغرض التأثير على مواقف
دولهم في ما يتصل بسد النهضة. وهي قضية تم تصنيفها في مصر ضمن (القضايا الرسمية
المرتبطة بالأمن القومي) حيث يحظر الكشف عن هوية هؤلاء الرؤساء.
ما أثلج صدر القاهرة قول رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد آبي أحمد الأسبوع الماضي خلال أول مؤتمر صحفي له منذ توليه السلطة في أبريل الماضي
أن هناك مشكلات تتعلق بالتصميم، وهناك شكوك في استكمال المشروع وفق الجدول الزمني
المعد. وبالنسبة لآبي أحمد فإن شركة المعادن والهندسة "ميتيك"، التابعة
للجيش الإثيوبي، تتسبب في تأخير بناء المشروع سد النهضة، وقال إنه ليس لها خبرة في
مجال إنشاء السدود فلم تتمكن من القيام بالأعمال الهيدروميكانيكية وتوفير المعدات
الكهروميكانيكية للسد، بما في ذلك التوربينات المطلوبة. وأعلن أنه سيسند الأمر إلى
مقاول آخر، على أمل الإسراع في التنفيذ.
فالرجل يعلم علم اليقين أن المشروع أصبح حلما للشعب
الإثيوبي وساهم في تمويله بشكل مباشر وليس من المعقول أن يضحي بمستقبله السياسي
بالوقوف أمام هذا الحلم الوطني لاسيما وأنه تم حتى الآن انجاز نحو 70 % من مراحل
بناء السد. ومثلت المساهمات التي يقدمها المواطنون الإثيوبيون مصدراً أساسياً
لتمويل المشروع، وأطلق البنك المركزي الإثيوبي، بالتعاون مع مكتب تنسيق ودعم سد
النهضة الإثيوبي برنامج "أسبوع السندات"، لبيع السندات المالية.
صحيح أن الولايات المتحدة ترعى ترتيبات تمنع خطر وقوع
خلافات تعصف بحلفائها في المنطقة وهم إثيوبيا ومصر بالإضافة إلى السعودية
والإمارات، إلا أن هذه الترتيبات لا تضحي بمشروع مثل مشروع سد النهضة. ويجب أن
تطمع القاهرة في أكثر من الحصول على تطمينات إثيوبية فيما يتعلق بحصتها من مياه
النيل.
في ذات الوقت نجد أن التأخير الحالي في المشروع ليس هو
الأول فقد خطط للمشروع الذي بدأ العمل فيه في أبريل 2011 أن ينتهي بعد خمس سنوات
أي في 2016، إذ إن مشروعا بهذه الضخامة والتعقيد الفني والتكلفة المالية الضخمة التي
تبلغ نحو 5 مليارات دولار من الطبيعي أن تعتريه مثل هذه العقبات. وبلغ عدد
العاملين في المشروع، قرابة 10 آلاف من فنيين وعمال، منهم 400 مهندس أجنبي.
من الواضح أن آبي أحمد ماضٍ في وضع قضية السد في مسار
فني، بينما تسعى القاهرة إلى تجاهل القضايا الفنية والإصرار على اعتبارها قضية
سياسية وأمنية. وتنتقد الخرطوم باستمرار طريقة تعامل مصر مع قضية سد النهضة، وتدعو
إلى إخراج القضية من إطارها السياسي إلى إطارها الفني. وتقول الخرطوم إن السد الإثيوبي
لا يشكل قضية سياسية بالنسبة لها وإنما هو قضية تنمية ومصالح.
عن صحيفة الشرق القطرية