تهدد الانتخابات الأمريكية بنشوب «كأس عالم لحرب المعلومات التي
يتعارك فيها خصوم الولايات المتحدة وحلفاؤها لفرض مصالحهم المختلفة على جمهور
الناخبين». ورد هذا التصريح القوي على لسان مصدر عليم وهو المدير الأمني السابق
لموقع التواصل «فيسبوك»، أليس ستاموس، الذي ترك منصبه في الشركة الشهر الحالي.
واقترح
ستاموس أساليب لتجنب ذلك الواقع المرير المقبل في تغريدة نشرها مؤخراً، فقد اعترف
بأن «مسؤوليته الشخصية عن الفشل الذي حدث عام 2016 لا تزال تنسب إليه». لكنه لم
يستطع الابتعاد بدرجة كافية عن «فيسبوك» ليعترف بأن من ضمن أهم سمات مواقع التواصل
الاجتماعي، وليس الثغرات الأمنية، تعريض الديمقراطية الأمريكية وكل ما بها من
أفكار لانتهاكات الأشخاص والجهات عديمة الضمير والأمانة سواء في الخارج أو الداخل.
وقد
تضمنت مقترحاته معايير قانونية لمكافحة المعلومات المغلوطة عبر الإنترنت، وكذلك
تشكيل وكالة للأمن الإلكتروني تكون منفصلة عن جهات إنفاذ القانون أو الوكالات
الاستخبارية التي ستركز على مجابهة التهديدات. وكتب ستاموس - الذي سيقوم بالتدريس
في جامعة «ستانفورد» بدءاً من سبتمبر (أيلول) المقبل أيضاً - أنه كان من الضروري
أن نقرر كيفية السماح بحملات النفوذ السياسية بتقسيم جمهور الناخبين، «حتى وإن
كانت هذه الحملات تدار محلياً وبطريقة قانونية تماماً»، ودعا إلى سرعة إنفاذ
القانون، وإلى استجابة سياسية وإلكترونية لعمليات التطفل التي تحدث. إن لهذا الطرح
معنى إلى حد ما.
فما
من سبيل لأي مراقب، سواء بسلطة حكومية أو من دونها، ليقرر بأن معلومة ما خاطئة قبل
أن تقوم مواقع التواصل الاجتماعي بنشرها إلى أبعد مدى من خلال آلياتها الكثيرة.
وعلى العكس من المؤسسات الإعلامية التقليدية، ما من أحد على موقع «فيسبوك» أو
«تويتر» بإمكانه، قانونياً أو أخلاقياً، تصحيح المعلومات الخاطئة، ولا بإمكان
المنصات نفسها أن تفعل ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فالمعلومات الخاطئة لا تخرج عن مصدر
واحد بل مصادر كثيرة، بعضها مشروع وبعضها غير مشروع، وجميعها تقوم بنشر المعلومات
في نفس التوقيت.
وقد
جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتجعل الإعلام مجالاً حراً ومجانياً للجميع. وإن قام
شخص ما، سواء باسم أو من دون اسم، محلي أو أجنبي، مدفوع الأجر أو غير مدفوع، أمين
أو غير أمين، بدور مصدر الخبر، فما من سبيل لمنعه من نشر المعلومة الخاطئة. وفي
سوق كهذه، كل شيء يسير لأن الجميع يتنافسون على جذب الانتباه بنفس الشروط، وهنا
تتجلى الجاذبية العظيمة للديمقراطية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
إن
هذا ما يمنح قوة لرؤية ستاموس المتشائمة لكأس العالم في حرب المعلومات التي يسعى
فيها خصوم الولايات المتحدة، مثل الصين وكوريا الشمالية، التي تمثل جماعات النفوذ
المحلي، وحلفاء الولايات المتحدة الساعين إلى تعزيز المرشحين، إلى استخدام نفس
الخدع مثلما فعل الروس التي لم تتطلب حملتهم في الانتخابات الرئاسية عام 2016 أكثر
من إتقان أساسيات اللغة الإنجليزية ودراية بالمشهد السياسي الأمريكي المتاح لجميع
المدونين الحزبيين، بالإضافة إلى العناد في استغلال السياسات المعقدة لشبكات
التواصل ورغبة طبيعية في عدم فرض رقابة على حرية التعبير السياسي.
يشعر
ستاموس بعدم ارتياح حقيقي من تحديد أهداف الرسائل السياسية لبعض الناخبين، لكن
تحديد الأهداف يمثل جوهر العمل عبر منصات التواصل الاجتماعي. فإذا كان ذلك مشروعاً
في بيع البضائع، لماذا لا تستخدم في بث الأفكار إذن؟ إذا كانت الرسائل السياسية
المباشرة تخضع للتنظيم في حين لا تخضع عمليات الاستهداف للتنظيم، فسوف يجد
الفاعلون السياسيون طرقاً أخرى لترويج رسائلهم مثل الكتب والمقالات الصحافية أو
المجالات الخيرية. ولن يكون مثل هذا النوع من التنظيم عائقاً بحال. فعندما حظرت
روسيا الإعلان عن الكحوليات عبر التلفزيون، شرعت الشركات في استخدام إعلانات شركات
المياه المعدنية التي تحمل نفس الشعار الذي تحمله الفودكا التي ينتجونها.
تتمتع
مواقع التواصل الاجتماعي بكفاءة عالية في نشر المعلومات باستخدام فقاعات «الفلترة»
أو التنقية، التي تستبعد كل من ليس له علاقة وعن طريق الضغط على الناس بأقصى ما
يستطيعون من قوة لإعطاء بياناتهم الشخصية. ولذلك فإن أي قانون لا يغير من هذا
الواقع وهذه القوانين لن تستطيع أن تدحض رؤية ستاموس بشأن تطور السياسة الأمريكية.
وأي قانون يغير من تلك المبادئ السارية سيهدد بقتل مواقع التواصل التي نعرفها.
ربما قد تأخرنا ولن يكون بالإمكان إرجاع معجون الأسنان إلى الأنبوب مرة أخرى. فقد
فات الأوان ليس فقط لحماية للانتخابات الفصلية في 2018 فحسب، بل أيضا لحماية جميع
الانتخابات التي تخضع لتأثيرات مواقع التواصل، إلا إذا أخذ مستخدموها على عاتقهم
تعلم كيفية مقاومة استقطاب تلك المواقع.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية