كان بديع الزمان سعيد النورسي (1294 - 1379 هـ ، 1877 - 1960م) داعية الأخوة الإسلامية والجامعة الإسلامية، والعدو اللدود للتعصب القومي الذي يمزق هذه الأخوة الإسلامية، ويفتت رابطة الأمة الإسلامية التي هي فريضة إلهية "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" (الأنبياء 92).
ورغم أن النورسي كردي الجنس، فلقد رفض الدعوات الكردية لإقامة دولة كردستان؛ لأن هذه الدعوات هي جزء من المخطط المعادي لوحدة أمة الإسلام وتكامل دار الإسلام.
رفض النورسي هذه الدعوة الكردية القومية الانفصالية - التي تمزق الوحدة الإسلامية - عندما دعا إليها الصحفي الكردي "رفعت بك" الذي أرسل إلى النورسي رسالة يطلب فيها تأييده لهذه الدعوة، كما رفض هذا التوجه الكردي - مرة ثانية - عندما أسس بعض الأكراد "جمعية تعالى الأكراد" - التي رأسها السيد عبد القادر - والتي طلبت تأييد النورسي لانفصال الأكراد في دولة مستقلة.
ورغم العداء الشديد بين النورسي والنظام العلماني الذي أقامه مصطفى كمال أتاتورك (1881 - 1938م) في تركيا، فلقد رفض تأييد الثورة الكردية التي قادها في شرقي تركيا الشيخ سعيد بيران عام 1925م، وكانت هذه الثورة حريصة على تأييد النورسي لها، لما له من مكانة علمية، ولما له من طلاب وأتباع ومريدين، فأرسلت إليه حسين باشا - أحد رؤساء العشائر الكردية - يطلب تأييده للثورة ضد كمال أتاتورك، ويومئذ دار بينهما الحوار التالي الذي يجب أن يقرأه أكراد اليوم ويعوه.
لقد ذهب "حسين باشا" إلى بديع الزمان، وهو يتعبد في جبل "أرك" وقال له:
-لقد أتيت لكي أستشيرك في أمر، إن جنودي على استعداد تام، ولدي الأسلحة والذخائر والخيول، ونحن في انتظار إشارة منك.
-ماذا تقول؟ وماذا في نيتك أن تعمل؟ من ستحارب؟
-سأحارب مصطفى كمال.
-ومن هم جنود مصطفى كمال؟
-لا أدري ماذا أقول! هم العساكر كما تعلم.
-إن هؤلاء العساكر هم أبناء هذا الوطن، أي أقربائي وأقرباؤك، فعلى من ستطلق النار؟ وعلى من سيطلقون النار؟ فكر وافهم، أتريد أن يقتل أحمد محمدا وأن يقتل حسن حسينا؟!
ثم كتب النورسي إلى زعيم الثورة الكردية الشيخ سعيد بيران يقول له:
"نحن مسلمون، والأتراك إخواننا، فلا تجعلوا الأخ يقاتل أخاه، فهذا لا يجوز شرعا، إن السيف لا يشهر إلا بوجه الأعداء الخارجيين، ولا يستعمل السيف في الداخل، إن السبيل الوحيد أمامنا للخلاص في هذا الزمان هو القيام بإرشاد الناس إلى حقائق القرآن والإيمان، ومكافحة الجهل، لذا أرى أن تصرفوا النظر عن محاولتكم هذه لأنها محكومة بالإخفاق، إذ سيهلك الآلاف من الرجال والنساء بسبب حفنة من القتلة والمجرمين".
لقد وقف النورسي هذا الموقف قبل ثمانين عاما، فهل يعيه أكراد القرن الواحد والعشرين؟!