أعلن الأمين العام للمجلس الثوري المصري، محمد شريف كامل، استقالته من منصبه ومن عضوية المجلس الثوري، الذي ساهم في تأسيسه مع شخصيات مصرية معارضة في الخارج.
وحذر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، من
"عدم استجابة المجلس للمتغيرات، وعدم تجاوبه مع ما هو هام في هذه المرحلة،
فضلا عن محاولات جره لقضايا جانبية لا فائدة منها، وافتعال أزمات بين الكيانات
السياسية والثورية والإعلام الرافض للانقلاب".
وقال "كامل" إنه "حان الوقت للانتقال
إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة الاتفاق على الخطوط العريضة والمشتركة بين الجميع،
وتغليب القضية الوطنية على الأيديولوجيات المختلفة، ولتنسيق أقوى بين الداخل
والخارج، وتوحيد الجهود على المستويين العربي والإقليمي".
ودعا القوى السياسية إلى الاتفاق على كلمة سواء،
قائلا: "لنعد جميعا لأهداف ونداءات 25 يناير، ولنتمسك بشرعيتها، ولا نحاول أن
نصبغها بلون أيديولوجي محدد، فهي ثورة كل الشعب المصري، وعلينا بناء الثقة، ونبذ
التنافس، والعمل على التكامل، وعدم تحقير أي دور، وعدم تصور أن الثورة حكر أو
ملك لأحد".
وفيما يلي نص المقابلة:
البعض فهم من مقالك المنشور بـ"عربي21" تحت
عنوان: "هل انتصرت الثورة المضادة وهُزم الربيع العربي؟" أنك استقلت من
المجلس الثوري المصري.. فهل هذا صحيح؟ ولماذا؟
بالفعل، لقد تقدمت باستقالتي من المجلس الثوري المصري الذي كان لي شرف المشاركة في تأسيسه منذ أربع سنوات بالتمام، وكان لي شرف الاشتراك في إرساء مبادئه ووثائقه بداية من وثيقة إعلانه التي تشرفت بالمشاركة في إعدادها وإلقائها في أول مؤتمر صحفي للمجلس، ووثيقة حماية الثورة التي تشرفت بالاشتراك في إعدادها وعرضها، وشرفت بأن أكون متحدثه الرسمي وأمينه العام حتى 31 تموز/ يوليو 2018، والحمد لله حققنا نجاحات كبيرة بالخارج وصدى الانجاز واضح في الداخل أيضا.
أما عن أسباب الاستقالة، فهي واضحة في مقالي المشار
إليه، وهي ليست موجهه للمجلس وحسب، بل موجهة لكل القوى الرافضة للانقلاب، وهي
رسالة مفادها أن الوقت قد حان للانتقال لمرحلة جديدة، مرحلة الاتفاق على الخطوط
العريضة والمشتركة بين الجميع وتغليب القضية الوطنية على الأيديولوجيات المختلفة،
بالإضافة لتنسيق أقوى بين الداخل والخارج، وتوحيد الجهود على المستوى العربي
والإقليمي.
وانسحابي موجه للعمل التنظيمي من الجبهة الرافضة
للانقلاب ككل، مع بقائي كأحد الأفراد الناشطين داخل هذا التيار، فالمسألة ليست
المجلس ولكن استعداد التيار ككل لهذه المرحلة.
ولكن يأخذ البعض على هذا المقال إسهابه في الدفاع عن الحقبة
الناصرية وما جرى في 1952؟
هذا غير صحيح، لقد حاولت في هذا المقال أن أحدث التوازن
المفقود على ساحة رافضي الانقلاب، وذكرت أن 52 كانت حركة وانقلاب وثورة، وطالبت
بما ناديت به منذ اليوم الأول لانقلاب 2013 الفاشي ألا نضيع وقتنا في تقيم 52،
وإذا رغبنا في تقييمها نترك ذلك جانبا لما بعد إسقاط دولة 3 تموز/ يوليو، ولكن
للأسف العديد سارع لتصفية حساباته وأخذ مظلوميته من الماضي دون حساب لعواقب ذلك
التصرف من تفتيت القوة وإعطاء منظومة السيسي ما تسعى له، وأنا أخاطب هنا القوى
السياسية ذات المصداقية ولا يعنيني أفراد "يلطشون" يمينا ويسارا بحثا عن
الشهرة.
فلنعد للاستقالة، هذه ليست الاستقالة الأولى من المجلس، بل تأتي
ضمن سلسلة متكررة من الاستقالات السابقة.. لماذا كل هذه الاستقالات المتوالية؟
رغم أنه أمر طبيعي أن تكون هناك استقالات من أي تجمع، خاصة مع طول المدة، إلا أنه لم تكن هناك استقالات متعددة من المجلس أو ذات تأثير
عبر الأربع سنوات، وإن كنت تقصد استقالة الخمسة عشر عضو الأخيرة، فأعتقد أنها كانت
لأسباب خارجية أكثر من أي شيء آخر، وارتبطت بالخلاف المشهور داخل الإخوان، الذي
حاول البعض تصديره للمجلس.
ما مدى تأثير هذه الاستقالات المتوالية على عمل المجلس الثوري وفعاليته؟
لا أعتقد أن أي استقالة ستؤثر على عمل المجلس، ولكن ما
قد يؤثر على عمل المجلس هو عدم استجابته للمتغيرات والتجاوب مع ما اعتقد أنه هام
في هذه المرحلة والمستقبل القريب، بالإضافة لمحاولة البعض جره لقضايا جانبية لا
فائدة منها، وهذا لا ينطبق على المجلس وحسب، بل وعلى كل القوى الرافضة للانقلاب
قوى ثورية كانت أو غير ثورية.
مثل ماذا؟
محاولات البعض افتعال أزمات بين الكيانات السياسية
والثورية والإعلام الرافض للانقلاب، ومحاولات البعض جر المجلس بعيدا عن مقرراته،
وتصور البعض أنهم يستطيعون إعادة كتابة التاريخ، وتصور البعض أن هذا هو الوقت
المناسب لتصفية حسابات الماضي، فضلا عن الخلافات الشخصية التي ألقت بظلها على كل
الجبهات، توزيع صكوك الغفران فذلك وطني وآخر ليس وطني، وغيرها الكثير.
كيف استقبل المجلس الثوري استقالتك؟ وهل أبلغتهم بشكل رسمي؟
لقد استغرق التفكير في عملية الانسحاب وقت طويل،
وبالطبع تم إبلاغ المجلس قبل خروج المقال المشار إليه المنشور
بـ"عربي21"، والذي اعتبره انسحابا مسببا من التيار ككل.
هل تنتوي الانضمام لكيانات سياسية موجودة حاليا أم أنك
ستبتعد عن المشهد السياسي؟
منذ انقلاب 3 يوليو 2013 شرفت بالمشاركة في تأسيس عدة
كيانات بداية من التحالف الكندي من أجل الديمقراطية، والذي شُكّل بعد مذبحة رابعة
بثلاثة أسابيع، وانجازاته فيما يتعلق بالقضية على الساحة الكندية السياسية
والمجتمع المدني معلومة للجميع، ثم محاولة تشكيل كيان دولي في ذات العام انتهت
بتشكيل تجمع محدود من المصريين في الخارج للدفاع عن الديمقراطية، والذي عُرف
بـ"مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية والعدالة" بعدها بأشهر معدودة، ثم جاء
المجلس الثوري في 2014، والمتابع لذلك يجد أن هذه التجمعات الثلاثة بنيت على ذات
المبادئ والأهداف.
ولن أبتعد عن المشهد السياسي، وستظل قضايا الإنسانية
شاغلي الأول، وبلا شك قضية شعبنا في المقام الأول، وسأركز في هذه المرحلة على
التحالف الكندي حتى يأتي الوقت المناسب ويكون المناخ مناسب لخطوة تنظيمية أخرى على
المستوى الدولي.
ولذا، لن أتخلى عن إنجازات وشرعية ثورة 2011 وشرعية
استحقاقاتها، وعلى رأسها رئيس مصر الشرعي د. محمد مرسي، ولن أتوقف عن الدفاع عن
تلك الاستحقاقات، فهي ملك الشعب وحده، ولن أهادن الانقلاب غير الشرعي الذي جاء
بالسيسي ليدمر مع عصابته ما تبقى من أمتنا.
في 8 آب/ أغسطس 2014 تم تدشين المجلس الثوري.. فبعد مرور
أكثر من 4 أعوام على تدشينه، كيف تقيمون أداءه؟
في حدود الظروف والمناخ المحيط والموارد المتاحة، أعتقد
أنه أدى دورا هاما، ولا أعتقد أن هناك من كان يستطيع القيام بذلك الدور، فالمجلس
مليء بالشخصيات المخلصة، والعمل الذي تم حتى الآن على كل المستويات فاق الإمكانيات
المتاحة؛ فقد اعتمد غالبا على العمل غير الاحترافي، وذلك لنقص الإمكانيات المالية،
ولو تم التنسيق بين كل التجمعات التي عملت على تلك الملفات بعد الانقلاب لكانت
النتائج مضاعفة. الإشكالية في أننا تحولنا للمنافسة، حتى أن بعضنا أصبح يرى أن
جمعيته أهم عنده من القضية.
البعض يرى المجلس الثوري عقبة أمام جهود الاصطفاف، خاصة أنه
دائم الرفض لأي تصور أو مبادرة أو وثيقة تهدف لطرح أفكار مختلفة؟
قضية الاصطفاف أضاعت وقت وجهد الجميع، نحن في حرب مع
منظومة فاشية، ولذا علينا أن نترك مساحة الحركة للجميع، فبدلا من القفز للنتائج
لماذا لا نسعى لتنسيق بلا تعارض ولا تنافس، المجلس لم يكن عقبة، من أراد أن يصطف
فليصطف، ومن أراد أن ينسق فلينسق، ولكن من الطبيعي أن يرفض المجلس مشروعات لا تتفق
ومنهجه.
بخصوص قضية المبادرات، باب الاجتهاد في العمل السياسي
له قواعده وليس له سقف ويحق لكل إنسان أو تجمع أن يبادر بما شاء ويحق لأي إنسان أو
تجمع أن يرفض أي من المعروضات، الإشكالية هنا في حالنا، فكثير منا لم يتعلم معنى
الاختلاف والحوار والتحالفات. ورفض المبادرات لا يعطلها، بل أحيانا يقويها إن كانت
تحمل مقدارا من الجدية والمصداقية.
والمبادرات في الملف المصري أصبحت كلمة سيئة السمعة،
فنحن نعيش لحظات التسابق على الإعلام ليس من أجل القضية، ولكن من أجل الظهور، لقد
تصور البعض أن دوره الجلوس خلف الميكرفون حتى وإن أساء للقضية.
نحتاج أن نقرأ التاريخ، وليس الكتب الصفراء، وإذا كان
من حق البعض المبادرة فمن حق الآخر الرفض، ولكن فارق كبير بين الرفض والتخوين،
وأنا أرفض تخوين كل من فكر بشكل مختلف، فالخيانة كلمة كبيرة، ومنطق التخوين ومنهج
بوش "من ليس معي فهو ضدي" لا يمكن أن أقبل به، وعلينا أن نستفيد من
الجميع حتى وإن اختلفنا.
والخائن هو من باع الأرض والموارد، وسعى لتدمير
الثروات، ونحن نُخون بعضنا البعض، وهو يجلس على عرش مصر يدمرها.
لماذا نرفض التعلم من الآخرين؟، لماذا نُصر أننا نحن
فقط على صواب؟، لماذا لا نتعلم الدرس من تركيا التي نعجب بتجربتها؟، ولماذا لا
نتعلم من تجارب تونس والمقاومة الفلسطينية (خلاف حماس والسلطة)؟
هل المجلس يتمسك بمكتسبات ثورة يناير أو ما يعرف بـ"الشرعية" أكثر من تمسكه بالثورة ذاتها؟
المجلس وأنا نعتقد أن الشرعية هي أهم انجازات ثورة يناير، لأنها ولأول مرة ترى مصر نتاجا ملموسا لحركة شعبية، ولا يجب أن ننسى أن ثورة 25 يناير مثلها مثل 23 يوليو بدأت كحركة وامتدت لتسير ثورة، فلقد خرج الشعب مطالبا بإقالة وزير الداخلية، وتطورت حتى حققت 5 استحقاقات اتفقنا أو اختلفنا على نتائجهم فهم ملك الشعب والعودة بالشرعية هي الشيء الوحيد الذي يعيد للشعب إرادته وللثورة أول انجازاتها.
هل كنت تشير ضمنيا إلى أن المجلس يحارب طواحين الهواء كما
قلت في مقالك بـ"عربي21"؟
إشارتي لمحاربة طواحين الهواء، غير مقصود بها المجلس أو
غيره، بل مقصود بها كل قوى رفض الانقلاب التي تحارب بعضها البعض، وتنجذب لمعارك
جانبية وترفض التنسيق، وتظن أنها تملك حق إصدار صكوك الغفران، وكل من يقوم بذلك
منفردا أو من خلال تجمع يخطئ في حق الثورة وشعب مصر.
في إطار التقييم الذاتي.. ما هي أبزر الأخطاء التي وقع فيها
المجلس الثوري؟
عدم وجود قواعد فعالة على الأرض أعاقت تقدم مسيرة
الثورة، لقد حاولنا كثيرا التواصل مع الداخل، وتم في عدة مراحل لكنه لم يُبنى
عليه. وفقدان التخصصية، حيث أحيانا تتداخل الاختصاصات وتُفقد الاحترافية.
أما على المستوى الخارجي، حقق المجلس الكثير، ولكن لم
يكن هناك متابعة، ولذلك كانت الأعمال تنقطع في نقطة ما مما يستدعي إعادة
الدورة.
من المسؤول عن المصير الذي آل إليه المجلس الثوري؟
ليس هناك خلل كبير بالمجلس الثوري، ولكن كل القوى
الرافضة للانقلاب مسؤولة عن عدم تمكن المجلس من تحقيق كل الأهداف التي أنشأ من
أجلها، بداية ممن رفضوا الانضمام إليه يوم تأسيسه، وأعضاءه غير المتفاعلين معه،
ومع ذلك القوة المتوفرة لدى المجلس تفعل الكثير، ولكن التخطيط الجمعي والرؤية
المشتركة للمجموع الأكبر تدفع قوة العمل في اتجاهات متضاربة تجعل تنفيذ الخطط أمر
غير فعال.
كيف تنظر لمستقبل المجلس الثوري خلال الفترة المقبلة؟
قد تتأثر الكيانات باستقالة ما، ولكنها لا تهتز مادام بها أناس حريصون عليها، واعتقد أن المجلس به شخصيات حريصة وواعية وقادرة على الانتقال به للمرحلة القادمة. وللمجلس أن يقرر بمجمل أعضائه ماذا يريد أن يحقق في السنوات المقبلة. الانجازات موجود، ولكن الوقوف عند هذا الحد لن يحقق حلم الثورة، وكذلك فإنه من يتصور أن المجلس منفردا سيحقق الثورة فهو غافل، فليس المطلوب من المجلس تحقيق الثورة، ولكن مطلوب منه الحفاظ على مبادئها وعدم الانسياق وراء كل من يريد جذبه يمينا ويسارا، فشعب مصر لم يثر لتمكين قوى سياسية محددة، ولكن لتمكين الشعب ككل.
"عربي21" انفردت بنشر تفاصيل 5 مبادرات لحل
الأزمة المصرية خلال الأشهر الـ4 الماضية.. ما تقييمكم لمجمل هذه المبادرات؟
باب الاجتهاد في العمل السياسي له قواعده وليس له سقف، ويحق لكل إنسان أو تجمع أن يبادر بما شاء ويحق لأي إنسان أو تجمع أن يرفض أي من المعروضات. وكل هذه المبادرات خرجت من أناس محسوبين على جبهة رفض الانقلاب، ولا يصح أن يخرجوا علينا بتنازلات، كل الثورات انتهت بالتفاوض، ولكن التفاوض يحتاج لعناصر قوة لم تصل لها الثورة بعد.
ولم أر مبادرة واحدة جاءت من جانب مغتصب السلطة لأنه
يسير على طريق مرسوم لتدمير مصر فهو لم يستجب ولن يستجيب، وإن تصور البعض أن المبادرات
موجهه للشعب للاجتماع على شيء، فهذا لن يتم في مناخ مفقود فيه الثقة. اعتقد أن
بناء الثقة أهم من تقديم المبادرات.
هل تعترف بأن معسكر الثورة المصرية فشل في تحركاته المناهضة
لسلطة الانقلاب؟
بالعكس نحن مجتمعون لم نفشل، بل حققنا الكثير، ويكفي أن
الانقلاب لم يستطع حتى الآن أن يتحرك بحرية في الداخل والخارج، ومازال الرعب يعشش
يداخله، وإلا لما استخدم السلاح القذر المسمى محاربة الإرهاب، والسلاح الذي ابتدعه
بوش وسار على نهجه كل من تعلم في مدرسته القذرة، وإلا ما كان أنشأ قوائم الإرهاب
وسحب الجنسية.
ما هو التحرك المنوط والمطلوب من القوى المعارضة للنظام
المصري؟
بناء الثقة، ونبذ التنافس، والعمل على التكامل بين
الجميع، وعدم تحقير أي دور، وعدم تصور أن الثورة حكر أو ملك لأحد.
كلمة أخيرة لشعب مصر؟
هي ليست أخيرة، ولكننا نختم بها هذه المقابلة، وأنا
أخاطب هنا القوى السياسية ذات المصداقية ولا يعنيني أفراد "يلطشون"
يمينا ويسارا بحثا عن الشهرة أو ركوبا للموجة، وأقول: تعالوا إلى كلمة سواء، ولنعد
جميعا لأهداف ونداءات 25 يناير ولنتمسك بشرعيتها. ولا نحاول أن نصبغها بلون
أيديولوجي محدد، فهي ثورة كل الشعب المصري.
البعض سيعتب على لانسحابي هذا، والبعض سيخونني، وهذا
أمر لا يعنيني، فضميري ومعتقداتي هو ما يملي على كل تحركاتي، أنا مصري يعرف الجميع
دوري في مجال السياسة وحقوق الإنسان منذ أكثر من 45 سنة في مصر وخارجها، ولكني لست
في مرحلة إسعاد الجماهير ولست في صراع على قيادتهم، فلذا قررت أن أخرج عن صمتي
وأقدم الأمور كما أراها، وسأظل كذلك ما دمت حيا.