قضايا وآراء

الصندوق السيادي المصري .. رؤية تقييمية

1300x600

وافق مجلس النواب المصري منذ أيام على مشروع قانون إنشاء صندوق سيادي مصري تحت اسم (صندوق مصر)، وقد بين القانون موارد الصندوق ممثلا في رأس ماله، والأصول التى تنتقل ملكيتها للصندوق والمملوكة للدولة أو لأى من الجهات أو الشركات التابعة لها، والعائد من استثمار أموال الصندوق واستغلال أصوله. فضلا عن القروض والتسهيلات التى يحصل عليها، وحصيلة إصدارات السندات والأدوات المالية الأخرى. إضافة إلى الموارد الأخرى التى يقرها مجلس الإدارة ويصدر بقبولها قرار من رئيس مجلس الوزراء.

 

وقد أبرز القانون أهداف الصندوق ممثلا في المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله وتحقيق الاستغلال الأمثل لها وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة، وله فى سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة.


ولتحقيق تلك الأهداف، للصندوق القيام بكافة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية بما فى ذلك:

 

(1)  المساهمة بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات أو فى زيادة رؤوس أموالها.

 

(2)  الاستثمار فى الأوراق المالية المقيدة بأسواق الأوراق المالية وغير المقيدة بها وأدوات الدين وغيرها من الأوراق المالية داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها.

 

(3)  الاقتراض والحصول على التسهيلات الائتمانية وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أدوات الدين.

 

(4)  شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.

 

(5) إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التى يملكها أو يساهم فيها مع الغير.

 

ويطرح تأسيس هذا الصندوق العديد من التساؤلات، فهل ينطبق عليه أهداف الصناديق السيادية؟ وهل موارده واستخداماته تتفق مع ما استقر عليه عمل الصناديق السيادية؟ وهل في هذا الصندوق من معايير الحوكمة الرشيدة ما يجعل الشفافية والإفصاح عن معلوماته في متناول الشعب المصري؟

 

بداية فإن الأهداف المعلنة للصندوق السيادي المصري غائبة عن الواقع، وإن كانت تتوافق مع ما تسير عليه الصناديق السيادية -مع تباين أهدافها- من المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وما يترتبط بذلك من مراعاة الأجيال المستقبلية، فسياسة الحكومة المصرية تنافي هذه الأهداف، حيث يكشف سلوكها عن تركيزها على مشروعات ذات عبء اقتصادي كبير، وعائد لا وجود له أو ضئيل. كما أنها ضيعت الجيل الحالي وكبلت الأجيال القادمة بديون لا قبل لهم بها، فكيف تدعى بأن الصندوق سيصلح ما تفسده الحكومة بيدها يوما بعد يوم؟! 

 

أما موارد الصندوق السيادي المصري فتحتاج إلى وقفة، فالقاسم المشترك في الصناديق السيادية على اختلاف أهدافها أنها تعمل على استثمار الفوائض المالية المتحققة من ميزانية الدولة أو ميزان المدفوعات أو كلاهما، فكيف تقوم الحكومة المصرية بعمل صندوق سيادي وهى تعاني من عجز مزمن في كل من الموازنة والميزان التجاري؟!

 

إن أغلب موارد الصناديق السيادية تأتي من إيرادات السلع الأولية وعلى رأسها النفط، وفي مصر ركزت موارد الصندوق السيادي على الأصول التي ستنقل ملكيتها إلى الصندوق، والتي تمثل مصطلحا فضفاضا حيث تتمثل في الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأى من الجهات أو الشركات التابعة لها إلى الصندوق أو أى من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل، فضلا عن الأصول المستغلة ويتم قيد الأصول فى دفاتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقًا لقواعد وإجراءات التقييم التى يحددها النظام الأساسى. 

 

وإذا كانت موارد الصناديق السيادية عالميا تتكون أساسا من فوائض الحسابات الجارية، وفوائض الموازنات العامة، وعمليات النقد الأجنبي، وعمليات الخصخصة، والتحويلات المالية للدول، ونحوها وهذا بخلاف الاحتياطيات من النقد الأجنبي التي تديرها البنوك المركزية ولا تدخل في  الصناديق السيادية، فإن الوضع في مصر يكاد يقتصر على نقل ملكية الأصول، وهو ما يعيد للأذهان موضوع الخصخصة وتجربتها السلبية في مصر التي كانت قرينة الفساد، لا سيما في تقييم الأصول. 

 

كما أن سلوك الحكومة يعكس أنها ستتخلص من الشركات الرابحة الناجحة والمتميزة وليس بعيدا عنا التوجه نحو خصخصة 23 شركة من أفضل الشركات المصرية، وكما يبدو أن الصندوق هو من سيتولى  هذه المهمة، أما الشركات الخاسرة فالأرجح أن الصندوق قد يتخلص منها بعد نقل أصولها إليه، أما إعادة هيكلتها فهو مستبعد في ظل سياسة التخلص من الأصول والتوريط في الديون التي تتبناها الحكومة، لا سيما وأن القانون نص على أنه يكون التصرف فى الأصول المملوكة للصندوق أو الصناديق المملوكة له بالكامل بالبيع، أو التأجير المنتهى بالتملك، أو الترخيص بالانتفاع، أو المشاركة كحصة عينية.  كما نص علي اللجوء للقروض والتسهيلات وحصيلة إصدارات السندات والأدوات المالية الأخرى كبند من بنود موارده. 

 

وهذا من التناقض العجيب لصندوق سيادي الأولى به أن يعتمد على موارده فإذا به يلجأ للاقتراض؟ وهذا ما يثير أيضا طبيعة علاقة هذا الصندوق بالمؤسسات المالية الحكومية الأخرى ومدى التنسيق بينها بل والقيام بأدوراها في هذا الجانب كوزارة المالية والبنك المركزي ولاسيما بنك الاستثمار القومي الذي قامت الحكومة قبل ذلك بتفويضه للتصرف في الأصول الحكومية غير المستغلة سواء بالبيع أو الإيجار أو حق الانتفاع أو الشراكة.

 

كما أن استخدامات الأموال في الصندوق لا تختلف كثيرا عنه في عمل بعض المؤسسات المالية الحكومية الأخرى من تأسيس الشركات، والاستثمار فى الأوراق المالية، و الشراء والبيع والتأجير وإقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة. وهو بذلك لا يملك استراتيجيات استثمارية مميزة عن غيره من المؤسسات المالية الحكومية، ولا يعكس ذلك تنيسقا مع تلك المؤسسات وسياسة الدولة النقدية والمالية والهيكلية.

 

أما التزام الصندوق بمعايير الحوكمة الرشيدة وما يتطلبه ذلك من شفافية وإفصاح عام فهو أمر أهمله القانون وكأن ذلك أسرار عسكرية، حيث اكتفى بأن يتولى مراجعة حسابات الصندوق مراقبا حسابات أحدهما الجهاز المركزى للمحاسبات والآخر من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزى المصرى أو الهيئة العامة للرقابة المالية، مع عرض القوائم المالية السنوية وتقرير مراقب الحسابات وتقرير سنوى تفصيلى عن نشاط الصندوق وخطته للعام التالى على الجمعية العمومية للصندوق، تمهيدا لعرضها على رئيس الجمهورية خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية. 

 

وليس هذا جديدا فصناديق السيسي المتعددة التي أنشأها وفي مقدمتها (صندوق تحيا مصر) تفتقر للشفافية والإفصاح العام في أعمالها. وكل هذا يؤكد أن الصندوق السيادي المصري ما هو إلا حلقة في سلسلة بيع مصر التي لا يعرف القابضون على السلطة فيها بقوة السلاح سوى التفريط في الأصول والتوريط في الديون، وسحق المصري المظلوم.