قالت دراسة أصدرها مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة لتل أبيب - الأحد 1 تموز/ يوليو - إن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية سينعكس سلباً على العلاقات التركية الإسرائيلية التي لن تشهد تحسنا في المدى المنظور، وحتى خلال الفترة الرئاسية لأردوغان.
الحقيقة أننا هنا أمام تعبير مباشر عن الغرور، الانفصام الإسرائيليين، وتجاهل أن الموقفين التركي والدولي من إسرائيل ينطلقان أساساً من التصرفات والممارسات الإسرائيلية الاستعمارية غير الشرعية أو القانونية، طبعاً مع عدم تجاهل التعاطف الشعبي الكبير والمتجذر مع القضية الفلسطينية خاصة في تركيا.
نبوءة مركز الدراسات العبري المرموق – يديره مسؤول سابق للاستخبارات العسكرية للجيش في تعبير مباشر أيضاً عن العسكرة الطاغية في المجتمع - تأكدت مع التصريحات الحادة غير المسبوقة تقريباً للرئيس أردوغان ضد قانون القومية الصهيوني العنصري التمييزي، وحتى النازي حسب تعبير الرئيس أردوغان والدعوات الإسرائيلية الإعلامية غير الرسمية، لكن المعبرة عن المزاج السياسي العام للتحريض على تركيا وفرض عقوبات عليها، خاصة من قبل الولايات المتحدة، كما في التضييق الإسرائيلي المستجد على السواح الأتراك في القدس واعتقال مضايقة ممثلي الجمعيات الخيرية والإنسانية التركية العاملة في فلسطين المحتلة.
بالعودة إلى الفكرة الأساسية لنبوءة مركز الدراسات العبري عن الربط بين الانتخابات والعلاقات الإسرائيلية التركية، لا شك أن الرئيس أردوغان اكتسب قوة سياسية كبيرة مع فوزه من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، كما فوز التحالف السياسي الداعم له - حزبي العدالة الحركة القومية - بغالبية مقاعد البرلمان، إلا أن هذا عامل إضافي فقط كون الرئيس أردوغان تمتع طوال الوقت بقوة سياسية وجماهيرية، كما أن العلاقات التركية الإسرائيلية لم تتحسن، ولن تتحسن في المدى المنظور، هذا إذا لم تتدهور أكثر ببساطة لأنها لا تملك مقومات التطور والتقدم، ولأن العراقيل والتباينات في طريقها متجذرة عميقة ولا يبدو أنها ستحل أو ستزول في المدى المنظور.
في الحقيقة، فإن الرئيس أردوغان الذي يتباهى دائماً أنه خادم للشعب، وأن الدولة كلها تحولت إلى خادمة له بعدما كانت سيدة زمن حكم النخبة الكمالية بشقيها المدني والعسكرية ينصت دائماً إلى صوت الشعب مشاعر الناس وثمة تعاطف شعبي كبير مع القضية الفلسطينية العادلة والشعب الفلسطيني المظلوم الشعب الأحب إلى قلوب الأتراك، وبالتأكيد فإنه كرئيس وزعيم منتخب سيحرص دوماً على التعبير عن هذه المواقف عبر مزيد من الدعم ومساندة الشعب المظلوم في مواجهة آلة قمع الاحتلال الإسرائيلي الذي بات رسمياً دستورياً عنصرياً تمييزاً، حتى نازياً رغم أنه كذلك طوال الوقت، لكن دون هذا الإطار الدستوري الفج الفظ والمتغطرس قانون القومية الصهيوني العنصرية التمييزي النازي، والذي رفع الرئيس أردوغان الصوت عالياً في مواجهته يعبر عن طبيعة وذهنية النخبة الحاكمة الآن في إسرائيل اليمينية المتطرفة التي تعتقد أن الوقت قد حان لتصفية القضية الفلسطينية، وإخضاع الشعب الفلسطيني بشكل تام ونهائي وتصفية القضية الفلسطينية بثوابتها الرئيسية-القدس اللاجئين الأرض والحدود- من خلال صفقة القرن التي تعبر عن هذا التوجه، كما قانون القومية والسياسات التهويدية الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، وهي أمور لا يمكن أن تصمت عليها تركيا رسمياً وشعبياً، إضافة طبعاً إلى حصار غزة غير الأخلاقي غير القانوني الذي لا تبدو نهاية قريبة له.
هذا ينقلنا مباشرة إلى عامل التوتر الثالث المتعلق بغزة ولا شك أن حصار غزة غير قانونى وغير شرعي، ولا شك أن طريقة رد إسرائيل على مسيرة العودة السلمية هو أيضاً دموي إجرامي ومتناقض مع المواثيق والمعاهدات الدولية وغزة ستظل بالتأكيد نقطة خلاف مركزية بين أنقرة وتل أبيب في ظل إصرار حكومة نتن ياهو – ليبرمان - بينيت على المضي قدماً في نفس السياسات القمعية، بل سعي ليبرمان الحثيث لتحويل غزة إلى دارفور، وليس إلى سنغافورة كما يكذب - شالوم يوروشالمي مكور ريشون 30 يوليو - ومواصلة تركيا دعم مساعدة غزة، كما حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
إضافة إلى العامل الفلسطيني المركزي ثمة عوامل أخرى تكرس التباعد التركي الإسرائيلي، وحتى تكسبه بعد استراتيجي منها دعم تل أبيب للثورات المضادة وعودة أنظمة الاستبداد إلى العالم العربي ودعم تركيا الثورات الأصيلة والخيارات الديموقراطية للشعوب العربية، ومنها الصراع على الغاز والنفط شرق المتوسط ودعم تل أبيب لليونان وقبرص الرومية وإصرار أنقرة على الدفاع عن حقوقها ومصالحها، كما مصالح الأشقاء في قبرص الشمالية الذين كانوا دوماً مستعدين لتسوية عادلة شاملة ودائمة مقابل دعم الغرب القوى لغطرسة وجشع قبرص الجنوبية.
التوتر التركي الأمريكي الأخير سيترك بالتأكيد أثار سلبية على العلاقات التركية الإسرائيلية، وثمة خلفيات كبير وعميقة بين واشنطن وأنقرة، رغم السعي والعمل على حلها، أو تنظيمها على الأقل، إلا أن تل أبيب تسعى لاستغلال الخلاف لمزيد من الضغط على تركيا وابتزازها عبر حملة سياسية إعلامية مركزة في واشنطن، وفي الكونغرس تحديداً للتحريض على تركيا والدعوة لفرض مزيد من العقوبات عليها ما سينعكس بالضرورة سلباً على العلاقات الثنائية بشكل مباشر، ومراكمة مزيد من العراقيل أمام تحسينها.
بناء على المعطيات السابقة لن يكون تحسن رسمي في العلاقات التركية الإسرائيلية في المدى المنظور وعوامل التوتر باقية، وحتى تتمدد، ولكن الأمور لن تصل إلى حد قطعها أو فرض نهاية رسمية لها، كما توقعت الدراسة الإسرائيلية التي أشارت إلى تصاعد قوة القوميين الأتراك وحاجة الرئيس أردغان إليهم في البرلمان، وهم مع حدة موقفهم تجاه الغرب، إلا أنهم لن يسارعوا مثلاً للدعوة إلى الانسحاب من الناتو أو قطع العلاقات مع إسرائيل - كما اتضح فعلاً من رفض العدالة والقوميين لاقتراح المعارضة الكيدي بهذا الصدد –ولكنها ستبقى في مستوى منخفض على المدى المنظور ومتركزة أكثر في السياق غير الرسمي في القطاع الخاص، تحديداً اقتصادياً، ولكن يجب على الأقل نظرياً عدم استبعاد احتمال القطيعة الشاملة إذا ما وقع حادث قوى وكبير في السياق الفلسطيني أو حتى في السياق الثنائي ببعديه الإقليمي والدولي.
•باحث وإعلامي فلسطيني