مقالات مختارة

أزمة السجائر في الأردن

1300x600

الشارع الأردني منشغل بشكل شبه كامل بفضيحة فساد جديدة تتعلق بمصنع وهمي لرجل أعمال كبير ومدعوم، تبين أنه يُنتج السجائر المقلدة ويبيعها للأردنيين بنصف سعرها الأصلي، وتبعا لذلك فقد حقق أرباحا طائلة ومبالغ فلكية، لكن الغضب الأردني ليس بسبب التبغ الفاسد والماركة المزورة، وإنما بسبب تهرب ضريبي لهذا المصنع الوهمي بلغت قيمته 150 مليون دينار أردني (210 ملايين دولار).

السجائر والتبغ في الأردن قطاع بالغ الأهمية، بسبب الطلب الرهيب على هذه السلعة، حيث أن الأردن من بين الدول الأعلى عربيا وعالميا، من حيث نسبة المدخنين، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 29% من البالغين في المملكة يدخنون السجائر، والأخطر من ذلك أن أكثر من 13% من الأطفال أيضا مدخنون، هذا فضلا عن مدخني الأرجيلة، وفضلا عن تقارير تشير إلى أن نصف الوفيات في البلاد مرتبط بالتدخين.

فضيحة شركة التبغ المزورة تستحق الاهتمام والملاحقة، ولا خلاف على ذلك، لكن ملف «السجائر» كاملا يجب أن يتم فتحه في الأردن، فالذين كشفوا المصنع المزور هم «حيتان التبغ الأصلي»، وهؤلاء يحتكرون صناعة السجائر التي هي – في الأردن بشكل خاص- أشبه بمنجم الذهب نتيجة الأعداد الهائلة للمدخنين. وللسجائر قصة بالغة التعقيد في الأردن، فمصانع التبغ محدودة والنشاط الذي تقوم به يُسمى في علم الاقتصاد «منافسة احتكارية»، وهي المنافسة التي تحدث بين منتجين محدودين لديهم القدرة على التواطؤ، إذا قرروا ذلك، ويستطيعون إغلاق السوق أمام أي وافد جديد.

وبينما تهرّب «المصنع المزور» من الضرائب المفروضة عليه، فإن «حيتان السجائر» يتمتعون أصلا بضرائب منخفضة، حيث أن أسعار السجائر والتبغ والمعسل في الأردن، من بين الأدنى عالميا، بفضل الضرائب المنخفضة، ولتبيان النعيم الذي يرفل فيه «حيتان السجائر» في الأردن فإن سعر علبة واحدة من التبغ في بريطانيا أو أي دولة أوروبية يساوي أو يزيد سعر 10 علب من السجائر الأردنية الأصلية.. ما يعني أن تكلفة التدخين في أوروبا تصل إلى عشرة أضعاف تكلفة «المزاج» في الأردن.

في كافة دول العالم يتم رفع الضرائب بشكل مطرد على السجائر ويتم تقييد بيعها أيضا، وذلك من أجل خفض أعداد المدخنين، وفي بريطانيا ـ على سبيل المثال- فإن مكتب الإحصاءات الوطني كشف أن ربع المدخنين أقلعوا عن التدخين خلال الفترة من عام 2011 حتى الآن، وهذا بفضل رفع أسعار السجائر وزيادة الضرائب المفروضة عليها وتقييد بيعها في المتاجر وتقييد التدخين في الأماكن العامة والأماكن المغلقة. وزيادة الضرائب على السجائر لا يؤدي فقط إلى زيادة الإيرادات المالية للدولة، وإنما يوفر على الاقتصاد تكاليف باهظة لعلاج الأمراض التي يتسبب بها التدخين، ما يعني في النهاية أن فرض الضرائب على السجائر ورفع أسعارها يؤدي إلى تكبيد الشركات المنتجة بعض الخسائر، لكنه في الوقت نفسه يحقق مكاسب كبيرة للاقتصاد الكلي، تبدأ من زيادة الإيرادات وتمتد إلى توفير تكاليف العلاج. المشكلة في الأردن ليست في رجل أعمال هارب كان يدير مصنعا للسجائر المزورة، وتهرب من دفع 150 مليون دينار للضرائب، وإنما في وجود «لوبي» قوي يضغط من أجل منع رفع الضرائب على السجائر، ومنع رفع أسعارها، والإبقاء على النسب المرتفعة للمدخنين، بكل ما في ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد المحلي الذي يعاني من أزمة صعبة.

ليس مطلوبا البحث عن 150 مليون دينار بحوزة رجل أعمال هارب، بقدر ما إن المطلوب هو حساب تكاليف «السجائر الرخيصة» في الأردن، وكم كان من الممكن أن يتدفق على خزينة الدولة من أموال، لو تمت زيادة الضرائب على السجائر بدلا من رفع أسعار الخبز والسلع الأساسية، وكم من الممكن أن نوفر على الاقتصاد لو نجحنا في تقليل نسبة انتشار الأمراض التي تنتج عن التدخين وفي مقدمتها أمراض السرطان والقلب والرئة والشرايين.

القدس العربي