بورتريه

سعاد عبد الرحيم.. "شيخة تونس" المتوجة (بورتريه)

سعاد
لا تعتبر نفسها "إسلامية" بل سياسية "مستقلة"، لا ترتدي الحجاب مثل معظم النساء اللواتي يناضلن في صفوف "حركة النهضة" ذات التوجه الإسلامي.

توجهاتها تكمن في مساندة كل مبادرة لها علاقة بمبدأ المواطنة وتوحيد صفوف الشعب التونسي، حسب قولها.

فوزها بمنصب "شيخة مدينة تونس" كأول امرأة في تاريخ تونس تتولى هذا المنصب منذ بداية تأسيس النظام البلدي عام 1858، لم يخل من مناكفة ذكورية صاخبة من عقليات مهترئة لدى بعض الفئات داخل الطبقة السياسية التونسية.

وكانت حركة "نداء تونس" العلمانية قد خاضت سجالا مريرا، إذ قال أحد قادة "الحركة" في برنامج تلفزيوني إن "التقاليد تمنع من أن تتولى امرأة منصب شيخ مدينة تونس"، معتبرا أن تونس "بلد مسلم ولديه تقاليد ولا يمكن أن تجلس المرأة في المسجد بجانب الرجال في المناسبات الدينية".

وسخر منها المكلف بالاتصال في "نداء تونس"، فؤاد بوسلامة، إذ قال: "شيخة مدينة تونس امرأة، تصوروا امرأة ليلة 27 من رمضان في الجامع؟".

وينظر فريق من التونسيين إلى ترشحها للمنصب على أنه مناورة سياسية من "النهضة" لتلميع صورتها أمام منافسيها العلمانيين باستغلال امرأة غير محجبة لكسر الصورة النمطية التي يقدمها البعض عن "الحركة".

"الشيخة" سعاد عبد الرحيم، المولودة في صفاقس عام 1964 لعائلة من سبعة أطفال، درست بمعهد "خزندار" في مدينة باردو، وحصلت هناك على شهادة البكالوريا لتلتحق بعد ذلك بكلية الصيدلة بـ"المنستير" في السنة الدراسية 1983-1984 وانتخبت نائبة للطلبة في المجلس العلمي.

بدأت حينئذ نشاطها الطلابي في الكلية، وأصبحت عضو المكتب التنفيذي "للاتحاد العام التونسي للطلبة".

وبينما كانت تحاول تهدئة خلاف عنيف بين الطلبة، ألقي عليها القبض وسجنت في 1985 لمدة 15 يوما بسبب نشاطها الطلابي، أجبرت حينها على مغادرة دراستها، قبل أن تعود إلى الكلية من جديد.

 وعند حل "نقابة الاتحاد العام التونسي للطلبة"، بدأت نشاطا حقوقيا أزعج السلطات، مما أدى لإلقاء القبض عليها ثانية وسجنها بتهمة معارضة النظام.

حصلت في البداية على شهادة في العلوم الغذائية في عام 1988، قبل أن تحصل على شهادتها في الصيدلة في 1992، وبدأت مسارها المهني كمديرة لمتجر بيع أدوات صيدلانية بالجملة في تونس العاصمة.

لم تدخل سعاد عبد الرحيم الحياة السياسية أو الحزبية إلا بعد الثورة التونسية في عام 2011، حيث أصبحت في هذا العام عضوا في المكتب التنفيذي لـ"النهضة".

وما لبثت أن ترشحت للانتخابات في عام 2011 كرئيسة قائمة "النهضة" في دائرة "تونس الثانية" الانتخابية، وفازت بمقعد في المجلس الوطني التأسيسي المكلف بإقرار دستور جديد للبلاد.

انتخاب عبد الرحيم شكل مفاجأة لمنافسي "النهضة"، بسبب عدم ارتدائها الحجاب وكسرها للصورة النمطية التي يقدمها بعضهم عن "الحركة"، وانتصارها المتواصل لقضايا المرأة ودفاعها عن المكتسبات التي تحققت لها وتطويرها.

وفي عام 2011، تعرضت سعاد لاعتداء بالأيدي من قبل محتجين أمام مقر مجلس النواب في باردو، بعدما استنكرت في تصريح إذاعي الدعوة إلى اعتماد تشريع يمنح المرأة حق الإنجاب خارج إطار الزواج ويوفر لها مساعدة اجتماعية أيضا، معتبرة ذلك أمرا "يثير الاستغراب".

خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2014، لم تترشح عبد الرحيم، وفضلت العودة إلى إدارة شركتها للأدوية في إحدى ضواحي العاصمة، بل وعملت محللة سياسية في برامج إخبارية على قناة "نسمة" المحلية (خاصة).

وبعدها بعامين التحقت بالمكتب السياسي لـ"النهضة" مع عدد من الشخصيات الأخرى، فيما وصفته "الحركة" بانفتاحها على عدد من الكفاءات من خارجها.

فوزها في الانتخابات البلدية التونسية في حزيران الماضي، على رأس قائمة "النهضة" في بلدية تونس العاصمة كان مدويا وصاعقا خصوصا لـ"نداء تونس". وفي كلمة مقتضبة وصفت عبد الرحيم فوزها بالمنصب بأنه "فخر للمرأة التونسية وفوز لنساء تونس".

ووصف نشطاء ومغردون تونسيون باختلاف توجهاتهم الحزبية فوز سعاد بـ"التاريخي" واعتبروه "انتصارا للمرأة التونسية وللثورة والديمقراطية".

وتخوض عبدالرحيم تحديا كبيرا بفوزها برئاسة بلدية تونس حيث تنتظرها ملفات عديدة بعد تراجع العمل البلدي في البلاد، وخصوصا في أحيائها الشعبية ذات الكثافة الشعبية العالية، بالإضافة إلى الانقسامات الكبيرة بين الفائزين بمقاعد في بلدية تونس من بقية الأحزاب.

كان فشل "النهضة" و"نداء تونس" في التوصل إلى توافق بشأن بلدية تونس مؤشرا خطيرا على حدة الانقسامات، ودخل الحزبان في منافسة شرسة على رئاسة كل البلديات في كل الجهات. ووصلت المنافسة إلى حد إعلان "نداء تونس" عزمه معاقبة منتمين له صوتوا لـ"النهضة" في بعض الجهات، كما حصل في بلدية باردو.

وسبق لـ"النهضة" أن فازت برئاسة عدد كبير من البلديات، أهمها بلدية صفاقس التي تعتبر ثاني أكبر المدن التونسية، وتحمل رمزية كبيرة مثل بلدية باردو، التي تضم رئاسة مجلس نواب الشعب، وكانت على امتداد عقود من الزمن مقر إقامة الحكام التونسيين قبل الاستقلال.

وتحمل انتخابات بلدية تونس طابعا رمزيا مهما، وتعكس نوعية التحالفات التي يمكن أن تتم في الاستحقاقات اللاحقة، وخصوصا الانتخابات الرئاسية، ولعلها ستدفع إلى بعض المراجعات المهمة لكل الأحزاب بشأن تشكّل المشهد السياسي التونسي.

منصب "شيخ تونس" استحدث لأول مرة بمقتضى مرسوم محمد باي بن حسين في عام 1858، وتداول على بلدية تونس 31 رئيسا حتى اليوم، وكان "باي تونس" يعين شيخ المدينة من بين الأعيان والبارزين في المنطقة من عائلات كبار التجار أو من العلماء أو من ملاك الأراضي.

عبد الرحيم حصلت على ثقة الناخبين وثقة أعضاء المجلس البلدي لمدينة تونس، غير أن مهمتها لا تبدو سهلة في بلد يعاني أزمة اقتصادية ويقف أمام تحديات بالجملة.

وتدافع سعاد عبد الرحيم شيخة تونس الجديدة عن أفكار ليبيرالية وإصلاحية تؤمن بها، وهي تسير على خطى "النهضة" التي يرى العديد من محللي الشأن السياسي التونسي أنها تسعى إلى الظهور في صورة حزب "إسلامي ديمقراطي" على غرار حزب "العدالة والتنمية" الذي يترأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

والانتخابات بوجود قوائم تتزعمها نساء محجبات وغير محجبات، بوابة مشرعة لتغيير الصورة النمطية عن "النهضة" التي تبدو في طريقها إلى منصب جديد وهو رئاسة تونس.