يتردد السؤال في أذهان البعض: ماذا تبقى من الثورة السورية؟ بعد هذه
الخسائر الضخمة التي مني بها الشعب السوري قتلا وتشريدا ودمارا واعتقالا واحتلالا،
فضلا عن تآمر عالمي لإعادة إنتاج العصابة الطائفية من جديد، وفرضها على الشعب
السوري بقوة الإجرام والاحتلال.. ولكن يجهل من يطرح السؤال حقيقة مهمة، وهي أن
الثورات والقيم والتحرر ليست سوبر ماركت يتم فيه وزن بضاعته بالكيلوجرام، فالقيم
إنما تقاس بنتائجها الكبيرة، ولو بعد سنوات وعقود وقرون، لتفتخر بها الأجيال،
وتأخذ من معين ذاكرتها الجمعية زادا في مسيرتها التاريخية.
سيذكر
التاريخ أن شعبا شاميا عريقا وقف ضد عصابة طائفية مجرمة لسنوات، ثم وقف ضد دولة
إقليمية جلبت كل مليشياتها الطائفية لسنوات، ثم تحدى هذا الشعب دولة كبرى بحجم
روسيا وبكل جبروتها لسنوات ولا يزال، مشفوعة بكل الدعم الدولي، وتحدى هذا الشعب
الأعزال كل العالم برفضه القبول بهذه العصابة الطائفية المجرمة.
لقد
بقي من هذه الثورة الكثير، بقي منها الإصرار الشامي العريق في نيل الحقوق
والكرامة، بقي منها أكثر من 12 مليون مشرد رفضوا أن يعيشوا في كنف الطائفيين
وسدنتهم المحتلين، بقي منها نخب عريقة رفضت أن تبقى عبيدة لآل الأسد، فعبرت
المحيطات بحثا عن الحرية ولقمة العيش، وظلت أفئدتها معلقة بالشام ليوم قريب بإذن
الله، بقي من الشام دماء مليون شهيد روت ثراها، لتظل شاهدة على رفض أي وصاية على
هذا الشعب، وبقي من الشام مئات الآلاف من المعتقلين والأسرى والمختطفين الذين لا
يزالون يقارعون الظلم الداخلي والخارجي من داخل زنزاناتهم.
ستحكمون
أنقاضا، وستجلبون حثالات طائفية، وتجنسون مليونا أو مليونين أو أكثر ممن لا علاقة
لهم بالشام، ولكن سيرحلون كما رحل حثالات الاحتلال الفرنسي الذين جلبهم يوم احتل
سوريا، وستظل الشام بياسمينها وبجورييها تتحدى كل خفافيش الظلام، فالشام لن تقبل
بغير أهلها أهلا، وستظلون تحكمون مقابر، أما قيم الحرية والتحرر والديمقراطية
والعدالة فلا مكان لكم فيها، ونحن نرى عصاباتكم ترمي بأفراس الشام إلى أسود
لتلتهمها، تماما كما سعيتم لقذف أهل الشام إلى أفواه أسود الشر والإجرام المنطقوي
والدولي لينحروا الشام ويفتكوا بها.
لا
علاقة لكم بالشام، ولا علاقة لكم بسوريا، وستظل الشام موئل الأحرار والقيم
والعدالة، سيعود قاسيون إلى حضن شعبه، وستعود الفيجة وبردى ليجريان ماء الحرية
العذب، فلن تقدروا على تجفيفهما، وستزقزق العصافير والسنونو في الغوطة الغناء، أما
الأشباح الذين سكنوا تلك المناطق، ويسعون لاقتلاع أهلها فهم يعرفون تماما أنهم
أغراب، ويعرفون معها أنهم محتلون، وسيأتي اليوم الذي لن يكون بعيدا، حتى يتم
اقتلاعهم من أرض الشام الحرة، وسيأتي اليوم القريب لتجرف الشام كل أغرابها وكل
عملائها وكل خونتها، فتنفث خبثها.
أما
أهل الشام، فإياكم وإياكم من الخور، وحذاري من الوهن، وإياكم من الهزيمة النفسية،
فهذا ما يريده لكم عدوكم، فأنتم أهل الشام أرض المحشر والمنشر، وأنتم الذين كفلكم
رب السموات والأرض، الذي لم يخبرنا عليه السلام أنه كفل غيركم بنص الحديث الشريف،
فثقوا بالله تبارك وتعالى، وثقوا بأنفسكم، وثقوا بوعد الله تبارك وتعالى، فسنته لا
تتبدل ولا تتحول «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».
العرب القطرية