قضايا وآراء

احتجاجات الأردن.. مفارقات وتداعيات

1300x600

المؤشرات التي عكست الركود الاقتصادي سبقت تطبيق قانون ضريبة الدخل بعامين في الأردن؛ والأزمات الإقليمية كانت واضحة للعيان؛ غير أن فرض ضريبة الدخل وفر فرصة للتعبير عن هموم المواطن وخصوصا الطبقات الفقيرة والمتوسطة عبر احتجاجات اجتاحت محافظات الأردن؛ فحال الاحتقان كانت كبيرة وتنتظر فرصة للتعبير عنها ما خلق مفارقات عديدة في حركة الشارع والإقليم. 


فالمعركة التي اندلعت بين كبار رجال الأعمال من صناعيين وبنوك وشركات تأمين وفرت فرصة ثمينة؛ إذ فتحت ثغرة أتاحت للبسطاء والفقراء وأعضاء الطبقة المتوسطة للاستثمار في هذه الثغرة للتعبير عن معاناتهم و اوجاعهم عبر احتجاجات واسعة شملت كافة المحافظات الأردنية. 


استثمار لا يختلف عن التوظيف الذي اتبعته القوى الاقتصادية لمعاناة الناس وحالة الاحتقان  لخوض معركتها ضد ضريبة الدخل الجديدة التي شملت البنوك وشركات التأمين والصناعيين والتجار الكبار في البلاد؛ ومن هنا برز دور النقابات كوسيط عالي التوصيل و التردد في الأزمة الأخيرة بين رجال الأعمال وبين الطبقات الكادحة.  


الهبة محاولة تعبير ناجحة أوصلت رسالة قوية؛ غير أن المفارقة العجيبة تمثلت بقدرة كافة الأطراف على  استثمار زخمها في مفاوضات طويلة بما فيها الحكومة الأردنية؛ كتفاوض الحكومة والشارع على إعادة إخراج الضريبة والاصلاحات الاقتصادية بصيغة جديدة؛ أو الحكومة وصندوق النقد الدولي؛ أو الحكومة وبعض الدول العربية مسألة باتت مثار جدل كبير في أوساط المراقبين. 


و تتضح المفارقة بصورة أقوى عند النظر إلى تداعيات الاحتجاجات على الإقليم؛ فاستقالة حكومة الملقي خلقت مناخا إقليميا عززه حالة التجاذب بين المحاور الأساسية التي تقاذفت فيما بينها الاتهامات بلعب أدوار في تأزيم الحالة الأردنية؛ رغم ذلك الصخب الإقليمي ورغم التجاذبات المحلية لاحتواء الأزمة داخليا ومنع تطورها إلى فوضى فإن رسالة الجمهور وصلت. 


 الخطورة الحقيقية أن تمر الأشهر القليلة القادمة ولا يطرأ أي تغير على النهج الاقتصادي أو طريقة التعامل مع معاناة المواطن؛ أمر  سيدفع إلى احتجاجات خاطفة أخرى تفضي إلى مزيد من تقويض استقرار البلاد وتعمق حالة فقدان الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة؛ فالاحتجاجات الخاطفة التي ستعصف في البلاد ستصبح روتين مقلق و يحتمل أن تقصر المدة الزمنية بين الجولات وتزداد عنفا.


 تجنب معالجة الأزمة الاقتصادية العميقة والاكتفاء بمعالجة آثارها أو عقد الصفقات والتسويات مع القوى الاقتصادية الكبرى لن يوقف الاحتجاجات مستقبلا؛ إذ ستضغط ببطء على بنية الدولة ومؤسساتها وستصبح سببا في تصدع المؤسسات البيروقراطية و المجتمع بل وتصدع وانقلاب مكونات المجتمع على بعضها البعض؛ إذ أنها تعاني من انعدام ثقة مزمن  فيما بينها ومن  انقسامات عامودية وأخرى أفقية قادرة على تهديد بنية الدولة ومستقبلها. 


في الختام ؛ العديد من المفارقات كشفها الحراك والاحتجاجات في الأردن ؛ و الكثير من التداعيات الداخلية والخارجية بدأت تظهر في الساحة الأردنية والخارجية؛ فالاحتجاجات في الأردن من الممكن أن تكون بداية وولادة جديدة للدولة الأردنية مضيفة قوة ناعمة للمملكة هائلة لها تأثيرات إقليمية كبيرة؛  و في ذات الوقت تمثل مؤشر خطير على مستوى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وبوابة تفتح لممارسة المزيد من الضغوط وتعميق التدخلات في الساحة الأردنية المنقسمة عاموديا وافقيا؛ غير أن  ذلك كله سيتم تجاوزه في حال بادرت الحكومة والدولة لتغيير نهجها السياسي والاقتصادي بحيث تتجاوز المرحلة الأصعب والتي لم تبدأ بعد في الأردن.