من يتابع خطاب السيسي الذي ألقاه بتاريخ (2018-6-2)، بما يُسمى خطاب القَسمْ أمام نوابه صنيعة المخابرات والأجهزة المشبوهة، يتعجب عجبًا ربما تطير منه العقول من شدة الكذب والتدليس، وقلب الحقائق، وتشويه رموز وطنية ألقى بها في غياهب السجون والمعتقلات.
ومن أهم الملاحظات في خطابه الذي انبرت الأقلام والألسنة في تمجيده وفرعنته، ووصفته بأنه خطاب تاريخي، وهو المنقذ الحقيقي للدولة المصرية، بل إنه قسم لو تعلمون عظيم، كما عبّر عن ذلك كاتب كل العصور ومنافق كل الحُكام حمدي رزق في صحيفة المصري اليوم، بقوله: "مَن يظن أن قَسَم الرئيس أمام مجلس النواب طقسٌ مراسمي روتيني يتكرر كل أربع سنوات، وجرت العادة، وهذا ما وجدنا عليه آباءنا، يتنكّب التحليل الدقيق، وتعوزه مراجعة ضرورية لقرار وجواب القَسَم، مبتدئه وخبره، وشروطه وأحكامه والتزاماته المستقبلية، مثل حمل الأمانة، (إنَّا عرضنا الأمانة).. إنه قَسَمٌ لو تعلمون عظيم"! انتهى كلام رزق.
ولكن الحقيقة التي يعرفها أمثال رزق، وغيره من أصحاب المصالح، يعلمون جيدًا أن هذا الرجل هو ذاته الذي قطّع أوصال الدولة المصرية وشتّت أهلها وقسّمهم إلى نصفين، وباع مقدراتها لأعدائها، وأهدر كرامة المصريين وأفقرهم في كل الميادين، وإليكم البيان:
الملاحظة الأولى: يقول: "أقف اليوم متحدثًا إليكم في مستهل فترة رئاسية جديدة وبعد أن أقسمت اليمين الدستورية أمامكم بأن أحافظ مخلصًا على الدستور والقانون وأن أرعى مصالح هذا الشعب العظيم"! يدّعي السيسي بأنه يحافظ على الدستور والقانون، فهل الحفاظ على الدستور يكون بإهدار مواده التي وضعها كَتَبته في 2014؟! بل لا تخلو مناسبة أو موقف إلا ويضرب بهذا الدستور عُرض الحائط، ففي مجال الحريات التي أقرّها دستوره حدِّث ولا حرج، فلا حريات ولا أمن ولا أمان! وأين الحفاظ على مصالح الشعب، وفي كل يوم يُصدر قانونًا، إما بتكبيل المواطنين، أو رفع الأسعار، وكان آخرها رفع مياه الشرب والصرف الصحي لما يقرب من 50 بالمئة!
الملاحظة الثانية: قوله: "ومبدأنا الأعظم هو العمل متجردين لصالح هذا الوطن وأن نقتحم المشكلات ونواجه التحديات ونحن مصطفون محافظون على تماسك كتلتنا الوطنية حية وفاعلة ولا نسعى سوى لصالح مصرنا العزيزة الأبية وتحقيق التنمية والاستقرار لها وبناء مستقبل يليق بتاريخنا وبتضحيات أبنائها"، تشعر وكأن السيسي يُحدثك عن سويسرا أو كندا، ويغفل متعمدًا كمّ الدمار الذي ألحقه بأهل سيناء على سبيل المثال، خدمة للصهاينة، ويتناسى أنه هو الذي فرط في مياه النيل، وباع تيران وصنافير بثمن بخس دراهم معدودة، لكي ينتفع بها غير المصريين!
الملاحظة الثالثة: "أذكركم ونفسي بمسيرتنا سويًا منذ أن لبيت نداءكم وارتضيت بأن أكون على رأس فريق إنقاذ الوطن ممن أرادوا له السقوط في براثن الانهيار والدمار متاجرين بالدين تارة وبالحرية والديمقراطية تارة أخرى"، يريد أن يقول إنه المنقذ الذي أنقذ الوطن من الغرق والدمار، الذي هو في الحقيقة ما يفعله صباح مساء وتشهد كل الأرقام والإحصاءات على كذبه، من ذلك مثلاً، كما يذكر الاقتصاديون، أن إيرادات مصر في موازنة 2018 / 2019 والبالغة حوالي 900 مليار جنيه تكاد تغطي بالكاد فوائد الديون وأقساطها ليصل الدين الكلي إلي حوالي 7 ونصف تريليون جنيه بما يعادل 175?? من الناتج المحلي الإجمالي مع دين خارجي معلن يصل إلي حوالي 120 مليار دولار، وفعلي يصل إلي حوالي 200 مليار دولار، وذلك بحمولة حوالي 75 ألف جنيه لكل مصري بتحمله 7500 جنيه أقساط ديون وفوائد سنويًا.
الملاحظة الرابعة: ومن جملة المهازل قوله: "دولة حديثة تقوم على أسس الحرية والديمقراطية وتستعيد مكانتها اللائقة بين الأمم إقليميًا ودوليًا بعد أن عانت من محاولات للنيل من هذه المكانة وتراجع دورها نتيجة لعوامل داخلية وخارجية وهو الأمر الذى ترفضه ثوابت التاريـخ والجغرافـيا"، فهو يحاول أن يستغفل الناس بعد أن قزّم دور مصر في كل الميادين، وأصبحت للأسف تابعة ذليلة للصهاينة، ومن يدفع أكثر، بعد أن كانت لها تأثيرها على المستويين الإقليمي والدولي، وأي حرية وديمقراطية يمارسها السيسي؟! إنها حرية الاستعباد وديمقراطية الغاب!
الملاحظة الخامسة: حديثه عن الشماعة التي يُعلِّق عليها كل اخفاقاته: "لقد واجهنا سويا الإرهاب الغاشم الذى أراد أن ينال من وحدة وطننا الغالي، وتحملنا معًا مواجهة التحديات التي خلفها لنا الإرث الثقيل من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما نجم عنها من آثار سلبية على مناحي الحياة كافة" ياللهول السيسي الذي زرع الإرهاب ويرعاه يدّعي بأنه يقضي عليه، فإذا نظرنا إلى الواقع نجد أن العمليات الإرهابية زادت في عهده، وأنه دمّر سيناء بحجة مواجهة الإرهابيين، وروج داخليًا وخارجيًا بإعلامه المأجور أن مصر تتحمل فاتورة الإرهاب نيابة عن العالم، وأن أهل الشر لا يريدون استقرارًا لمصر!
هذه بعض الملاحظات الواردة في خطابه الذي يمتلأ بالأكاذيب وتغيير الحقائق وتشويه الواقع، وأقول بكل موضوعية إن هذا الرجل يمارس موهبته في الكذب المتعمد علي المصريين وتضليلهم، كما يمارس المحترف مهاراته الرياضية وألعابه البهلوانية، ويدَّعي أنه يحافظ على استقلال الوطن وسيادته وسلامة أراضيه وهو مالم ولن يحدث، ناهيكم عن رفع الأسعار بشكل متكرر، من كهرباء ووقود وتذاكر مترو، وفرض ضرائب، متزامنة مع موجات الاعتقالات وتكميم الأفواه والاختفاء القسري لإرهاق المواطن، وإرهابه وشل حركته، وقتل أي نوع من الاحتجاجات، وقطع حبائل الأمل في المستقبل.
وحجم الفساد في مصر مرعب، ويصل حسب تقدير العديد من الاقتصاديين إلي نصف الناتج المحلي الإجمالي، ويدخل تحته مصاريف السيسي المُسرفة، وصفقات السلاح التي لا داعي لها، والسياسات النقدية والمالية المتناقضة.
ليس هناك من سبيل للإصلاح في مصر سوى رحيل السيسي وعصابته، أو إزالتهم بالمقاومة السلمية المشروعة كما حدث في الاْردن وغيرها، ولن يتم ذلك إلا بعد أن تتوحد القوى المعارضة لسياسات السيسي، وطرح أجندة واضحة ومُقنعة للشعب المصري، مع سعي المواطن البسيط إلى استرداد حقوقه المنهوبة بكل الوسائل المشروعة.