لأول مرة يرى العالم كله قوات النظام السوري بحالة إذلال واحتقار وإهانة كهذه إذا استثنيا ما تعرضت له على أيدي الثوار، والأسوأ من ذلك أن تجري مشاهد الإذلال من الحليف الروسي الذي لم يعد يطيق ممارساتهم وتصرفاتهم من النهب والتعفيش والسلب والقتل، فأقدمت القوات العسكرية الروسية على إجبار عصابات الأسد على الانبطاح أرضاً في الغوطة الشرقية، بعد أن أزكمت رائحة السرقة والتعفيش لبيوت المهجرين فيها أنوف العالم كله. وغرقت منصات التواصل الاجتماعي بقصص السرقة والنهب الذي تفرغ له حماة الديار، بعد أن طردوا مع المحتل الأجنبي أهل البلاد الأصليين، بعيداً عن أرضهم وبيوتهم.
التعفيش والنهب والسلب لم يكن جديداً على سلالة آل الأسد، فقد خبرها أهل الشام منذ
اليوم الأول الذي سطا فيه حافظ الأسد على الشام، وقد رأينا ما فعلته في حماة عام
1982، وما فعلته بعدها في لبنان، وما دوّنه باتريك سيل -كاتب سيرة مؤسسهم حافظ
الأسد- من دعوة شقيقه رفعت عيد -قائد ميليشيات علوية في طرابلس- لمساعدته ضد
شقيقه، إبان الصراع على الخلافة عام 1984 مقابل أن تكون دمشق مستباحة له
ولميليشياته ثلاثة أيام، لكن الأوضح من ذلك وعلى الشاشات الفضائية، وفي بث حي
ومباشر، كانت الميليشيات الأسدية -على مدى 7 سنوات- تعفش وتسرق وتنهب دون حسيب أو
رقيب.
الأنكى من ذلك كله أن العالم كله، المتشدق بالمطالبة بالإبقاء على مؤسسات الدولة،
رأى -إن كانت لا تزال به أعين تبصر- هذه المؤسسات كيف تُداس تحت أقدام الاحتلال
الذي لم يعد يطيق القبول بممارساتها، وبالتالي هذه هي المؤسسات التي يطالب العالم
الشعب السوري بالقبول بها، ويطالبه بالمحافظة عليها وصيانتها وحمايتها، وهي التي
شردته وقتلته وعذبته، ولا تزال تحتجز 750 ألف معتقل سوري في أقبية تعذيبها.
المثير للضحك أكثر وأكثر هو قبول المجتمع الدولي ترؤس النظام السوري مؤتمر نزع
السلاح، فهل هناك سوريالية أشد من هذه؟ وهل بقي بعد هذا القبول الدولي مكانٌ
للتحليل والتوضيح؟ فنظام قَتل وشرّد واعتقل نصف ما يُفترض أن يكون شعبه، واستخدم
كل أنواع السلاح المحرم دولياً، بما فيها الكيماوي، باعتراف شرق العالم وغربه، لا
يزال له مكان في هذا المجتمع الدولي، بل وأن يترأس مؤتمراته ويفرض قراراته!
الشعب السوري الذي انتفض بعد خمسين عاماً، صبر فيها على كل ممارسات العصابة
الطائفية من سجون، ومجازر، ومذابح، ومعتقلات، وتشريد، ونهب، وسلب، لن يقبل أن يعيش
مجدداً في عباءة عصابة تمزّقت حتى لم يعد فيها مكانٌ لتؤوي طيوراً، فضلاً عن أن
تؤوي شعباً حضارياً، يملك عاصمة هي أقدم عاصمة مأهولة في العالم، والشعب المشرد
الذي صوت بقدميه يوم هاجر إلى دول الجوار ونزح بعيداً عن مدنه وقراه ضد هذه
العصابة، لا يمكن له أن يعيش مجدداً مع هذه العصابة، أما إن أراد عالم ومجتمع دولي
أن يتعايش مع هذه العصابة، فله ذلك، ولعلها تليق به ويليق بها.;
العرب القطرية