مقالات مختارة

لماذا انتصر زوكربيرغ في جلسة استماع «فيسبوك»؟

1300x600

أبلى مارك زوكربيرغ بلاء حسنا في المرة الأولى التي يظهر فيها على مقاعد الكونغرس الساخنة. فقد بدا واثقا، وتمكن من التعامل مع العديد من الأسئلة التي اقترحها كتّاب أعمدة الرأي بوكالة «بلومبيرغ» للأنباء الأسبوع الماضي. فقد بدا الملياردير البالغ من العمر 33 عاما متواضعا خلال جلسة الاستماع التي تخللها القليل من ابتسامات الثقة على وجهه. 


وأفضل الأخبار لشركة «فيسبوك» هي أن زوكربيرغ تمكن ببراعة من الهروب بعياً عن القلب النابض لنموذجها الاقتصادي، المتمثل في عطشها لجمع البيانات التي تستخدم لاحقا في الإعلانات استنادا إلى تلك البيانات. يعتبر نجاح زوكربيرغ مكسبا لأي شخص يعنيه في المقام الأول القيمة السوقية لأسهم تلك الشركة، لكنه يمثل خسارة لأي شخص غير ذلك. 


سيستمر «فيسبوك» في خسارة ثقة المستخدمين طالما أن عمله يعتمد على امتصاص أكبر قدر ممكن من بيانات العملاء وابتكار أساليب جديدة للمعلنين لاستغلال تلك البيانات لأغراض تجارية. الأمر أشبه باتفاق يوافق بمقتضاه مستخدمو «فيسبوك» على الشروط، ثم يتنحون جانبا من الناحية الفنية، حيث يتضمن العقد بالكاد موافقة صريحة من المستخدم، وهي الموافقة التي تخلو من خيار حقيقي للرفض. 


كان هذا ما جرى عرضه في جلسة الاستماع التي حضرها زوكربيرغ الثلاثاء الماضي. فخلال تلك الجلسة، أجاب زوكربيرغ عن سلسلة أسئلة من السيناتور روي بلانت تتعلق بنوعية المعلومات التي تستطيع الشركة جمعها من مستخدميها الذين يبلغ عددهم المليارين ثم استخدامها في الإعلانات. كان من ضمن الأسئلة سؤال حول ما إذا كان الموقع بإمكانه تحديد أن الشخص الذي نشر تعليقا على صفحته على «فيسبوك» من خلال كومبيوتر العمل في الصباح، هو الشخص نفسه الذي قام بتحميل صوره عبر تطبيق الهاتف الذكي «سمارت فون» في المساء.


الإجابة، بحسب ما يعرف زوكربيرغ بكل تأكيد، هي نعم. فموقع «فيسبوك» يتباهى أمام المعلنين بأنه يستطيع استهداف العميل بطريقة مزدوجة حسبما قالت الشركة نفسها. بإمكان الشركة أيضا تعقب الناس عبر الإنترنت في أي مكان يذهبون إليه تقريبا، وتستطيع معرفة البرامج التي قام المستخدمون بتحميلها على هواتفهم. 


يقوم «فيسبوك» أيضا بجمع المعلومات حتى عن الأنشطة التي تتم من دون وجود الإنترنت، أوفلاين، وهو السؤال الذي سأله السيناتور بلانت، الذي يتضمن معلومات عن موقع المستخدم في أثناء تجواله في العالم الواقعي. بإمكان الشركات أيضا ربط معلوماتها بما تقوم بشرائه من المتاجر الحقيقية. مثلا عندما تشتري حبوب الإفطار من السوبر ماركت، تقوم ماكينة الدفع بتوصيل المنتج بمعلومات صفحتك على «فيسبوك».

 

لكن الشيء المتعذر تفسيره هو أن زوكربيرغ حاول أن يقول إنه ليس متأكدا تماما من السياسة التي تحكم جمع «الفيسبوك» للبيانات، وأن أحد مرؤوسيه سيوضح ذلك لاحقا. يدرك رئيس مجلس إدارة شركة «فيسبوك» ما تفعله شركته جيدا، لكن ربما لم يشأ الاعتراف بأن شركته تعتمد على جمع البيانات الخاصة ببلايين الأشخاص. كان ذلك الاستجواب ضروريا؛ لأن السيناتور بلانت وغيره أرادوا كشف الثغرات التي تخللت اتفاق المقايضة الذي أبرمه «فيسبوك» مع مستخدميه. 


فالشركة تعطينا خدمة نرى أنها قيمة، وفي المقابل نوافق على أن يستغل «فيسبوك» هذه المعلومات لغرض جمع المال. وقد أفاد زوكربيرغ بأن كل من يستخدم «فيسبوك» يوافق على ما سيقوم الموقع بمشاركته وأن المستخدم يتمتع بكامل الصلاحية في التحكم في تلك البيانات. لكن الخدعة تكمن في أن عددا قليلا من الناس يفهم طبيعة ما يقدمه من معلومات، وقلة قليلة منهم قادرة على السيطرة على بياناتها. وبدا أن زوكربيرغ قد أذعن بعدما لوح أحد أعضاء الكونغرس بحزمة من الأوراق قال إنها البيانات التي جمعها «فيسبوك» عن مستخدميه وسياسة كشف بيانات المستخدمين لغرض الإعلان. 


فنيا، بإمكان مستخدمي «فيسبوك» غلق خاصية الإعلانات الموجهة، وأيضا تعطيل الخواص الحساسة مثل التعرف على الصور (لم أستطيع فعل ذلك رغم أن مهنتي الأساسية هي الكتابة عن التكنولوجيا). ويعتقد زوكربيرغ أنه قد منح المستخدمين القدرة على التحكم في سرية بياناتهم، لكنه منحهم سرابا، مما يعني أن موافقة المستخدمين غير صحيحة. 


وحاول السيناتور ريتشارد بلومانتل وغيره من الأعضاء جعل زوكربيرغ يغير قوانين الاتفاق المبرم بين «فيسبوك» ومستخدميه. فـ«فيسبوك» يعمل الآن بأسلوب «اقبل أو ارفض الأمر برمته»، ولذلك يمنح المستخدمين الموقع رخصة كبيرة لجمع أي كمية من المعلومات يريدها مشغلو الموقع ولأي سبب كان. فإذا قرر المستخدم حماية تلك المعلومات، فإن عملية الحجب تسير بكل حالة على حدة. وقد طالب بلومنتال بعكس ذلك بإجبار «فيسبوك» على طلب الموافقة الصريحة عن أي معلومة تريد استخدامها، وأن تشرح السبب لذلك. 


قد يجد الناس في ذلك إرهاقا كبيرا مما يجعله غير عملي. وبصرف النظر عن ذلك، ليس هناك سبيل يرغم زوكربيرغ على قبول هذا المطلب. فلو أن كل شيء في «فيسبوك» أصبح يتطلب إذنا مسبقا من المستخدمين، فسوف تتعطل أعمال شركة «فيسبوك». (بالفعل هناك قانون أوروبي جديد يجبر الشركات على جمع فقط المعلومات التي تتطلبها لتقديم الخدمة، وأن تحصل على موافقة صريحة قبل جمع بيانات شخصية. لكن «فيسبوك» لم يكن واضحا في تحديد ما إذا كان تطبيقه للقانون الأوروبي سيمتد أيضا إلى مستخدميه خارج أوروبا). 


بإمكان «فيسبوك» أن يغير من قوانين اللعبة طواعية، بإمكانه جعل خاصية تعقب الموقع محجوبة من البداية وألا تعمل إلا بإذن المستخدم، وذلك لمنع جمع المعلومات الخاصة بنشاطات الناس من وراء ظهر «فيسبوك» ومن دون موافقة واضحة، وأن تعطي الناس المزيد من المعلومات التي توضح كيفية استهداف الإعلانات للمستخدمين في كل إعلان يصل إليهم. 


ربما تتسبب تلك التغييرات في تقليص صلاحيات «فيسبوك» بدرجة كبيرة، وبالتالي تراجع عائداتها، وهنا بيت القصيد. فأي من التغييرات الجيدة التي أعلنتها الشركة في الأسابيع الأخيرة لن تجرح «فيسبوك» لأنها لم تراجع محركها الاقتصادي، المقصود كل تلك البيانات والاستخدام غير المقيد لها من دون موافقة مستخدمي «فيسبوك». ولذلك فإن الحل يكمن في تقليص البيانات بدرجة كبيرة إن أردنا تقليص الآثار السلبية لموقع «فيسبوك». 

 

الشرق الأوسط اللندنية