اعتمدت قيادة المملكة العربية السعودية على ركيزتين في سياستها
الخارجية: الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية، ودعم العراق لموازنة إيران.
وعلى نحو لافت تفتقد السعودية وبدرجات متفاوتة إلى هاتين الركيزتين، فبعد مباركة
السعودية الإطاحة بنظام صدام حسين لم تعد هناك دولة عراقية موحدة تحد من النفوذ
الإيراني في المنطقة، ولم يستوعب قادة السعودية أن كلفة إبقاء النظام العراقي
السابق على علاته كانت أقل بكثير من تسليم العراق على طبق من فضة للإيرانيين. ولا
يخفى على أحد أن الشكوك تحوم حول جدية التزام الولايات المتحدة بأمن السعودية بعد
أن وقعت إدارة أوباما اتفاقا نوويا مع إيران، كما أن واشنطن لم تمانع توسع النفوذ
الإيراني في العراق وسوريا. فهناك فريق أمريكي مؤثر يؤمن بخلق توازن شيعي سني وهو
أمر لا يروق للسعودية.
اضطلاع
السعودية للمرة الأولى بالحفاظ على مصالحها كما تعرفها النخب السعودية دفعها لتبني
سياسة خارجية تدخلية تستند إلى الإكراه والحروب. وحتى يتسنى لها الانتصار في هذه
المعارك الكثيرة عرّفت السعودية العدو بأنه إيران والإخوان المسلمين، وقامت بنسج
تحالفات بناء على هذا الفهم. ولعل إسرائيل هي أكبر المستفيدين من هذا الانقلاب في
السياسة الخارجية السعودية.
قبل
أيام قليلة كشف ديفيد هيرست من صحيفة الميدل ايست آي عن لقاء سري جرى في عرض البحر
الأحمر ضم الأمير محمد بن سلمان بوصفه ولياً لولي العهد السعودية ومحمد بن زايد
والرئيس عبدالفتاح السيسي والملك عبدالله الثاني، ويكشف ديفيد هيرست أن الملك
عبدالله الثاني لم يتفق مع القادة الآخرين الرؤية حول الإخوان المسلمين. ونتيجة
لذلك تم استثناء الأردن من التنسيق وبدأ حصار الأردن.
لا
توجد طريقة للتحقق من رواية ديفيد هيرست، فهو لا يكشف عن مصادرها، لكن الشواهد على
تدهور العلاقة السعودية الأردنية تعطي مصداقية لهذه الرواية، فخلافات عمان والرياض
بدت تظهر للسطح على مدار العامين الماضيين لأن الرياض تحاول إخضاع كل الدول
لأولويات السياسة الخارجية السعودية. والأردنيون بشكل عام يكنون احتراما كبيرا لكل
دول الخليج لكنهم لا يقبلون أن تعبث أي دولة مهما علا شأنها بملفات تعتبرها الأردن
وجودية وسيادية. فالعلاقة مع الإخوان المسلمين تقررها كل دولة وفقا لمصالحها ولا
ينبغي فرض رأي نظام معين على بقية الدول.
غير أن الأهم أردنيا هو الصراع العربي الإسرائيلي، فالموقع
الجيوسياسي للأردن وحقيقة أن الأردن يستضيف 40% من اللاجئين الفلسطينيين يجعلها
تنظر لعملية السلام بشكل مختلف عن السعودية التي تريد التقارب مع إسرائيل لمواجهة
إيران وفي سبيل ذلك تريد أن يقدم الأردنيون والفلسطينيون التنازلات التي تضمن
مساعدة إسرائيل للسعودية. والحق أن السعودية لا يمكن لها المزايدة على الأردن في
هذا الملف لأنها – وعلى العكس من الأردن – لا تستضيف لاجئا فلسطينيا واحدا ولم
تقدم شهيدا سعوديا واحدا على ثرى فلسطين الطاهر.
هذا هو جوهر الخلاف بين العاصمتين ولذلك جفت المساعدات السعودية
للأردن، لكن علينا أن نعترف بأن السعودية قدمت مساعدات كبيرة للأردن على مرّ
السنين، والأردنيون لا ينسون المواقف الكريمة من قبل القيادة السعودية غير أن
الوضع الآن مختلف لأن ما تقوم به السعودية الآن هو أقرب للحصار منه إلى أي شيء
آخر. واللافت أن تيار الحزم الجديد في السعودية يعتقد بأن أمواله يمكن أن تشتري
دولاً بأكملها، وربما هذا يفسر سرّ استعداد السعودية على انفاق كل أموالها لصالح
أمريكا لعل الأخيرة تنحاز لموقف السعودية فعلا وليس قولا. بكلمة، ينبغي أن تؤخذ
رواية ديفيد هيرست بجدية أكبر لأن ما يجري على أرض الواقع يعطي مصداقية كبيرة لها.
الشرق القطرية