مقالات مختارة

تداعيات مسيرة العودة المحلية والإقليمية

1300x600

هل نجحت مسيرة العودة بتصحيح المسار السياسي في الإقليم بإعادة توجيه الأنظار إلى لب الصراع العربي الصهيوني بعيدا عن الصفقات الكبرى ذات الطبيعة الخرافية والبعيدة عن الواقعية؟ وهل أعادت سقف التوقعات الإقليمية إلى أرض الواقع بعد أن طاولت عنان السماء بالإعلان المتكرر عن المشاريع الكبرى كصفقة القرن؟

مساء أول أمس الجمعة الموافق ليوم الأرض 30 آذار استعادت القضية الفلسطينية زخمها الحقيقي ومقولاتها الأساسية؛ الأرض وحق العودة واللاجئين والنازحين والقدس؛ مساء أول أمس قدم الفلسطينيون 17 شهيدا وأكثر من 1400 جريح في تظاهرة سلمية لم يطلق فيها رصاصة واحدة من قبل المتظاهرين في مسيرة ستمتد إلى الخامس عشر من أيار المقبل لتشق طريقا جديدا في مسار الصراع الفلسطيني والإقليم.

فالفلسطينيون تجمعوا معلنين رغبتهم العودة إلى أرضهم المسلوبة عام 1948 وداعين المجتمع الدولي إلى الالتزام بقرارات مجلس الأمن وعلى رأسها قرار 194 الداعي لعودة اللاجئين إلى أرضهم؛ فالقرار واضح بعودة اللاجئين إلى موطنهم لا إلى توطينهم في سيناء أو غيرها تحت عناوين فاقع لونها كصفقة القرن.

الفلسطينيون في قطاع غزة قدموا التضحيات مطلقين صرخة مدوية في كافة أنحاء فلسطين المحتلة ومستنفرين الفلسطينيين في كافة أماكن لجوئهم في الداخل والشتات؛ فالتحرك الفلسطيني أعاد الروح إلى القرار الأممي 194 ونقل النقاش خلال ساعات إلى أروقة الأمم المتحدة التي بذلت أمريكا جهدها لإعاقة عمله؛ مبررة الأمر بعيد الفصح عند اليهود وعطلة السبت التي لم تمنع جيش الاحتلال الذي خالف طقوس عيده وسبته بالاعتداء على التجمع السلمي وإطلاق النار على المتظاهرين السلميين المطالبين بحقهم المشروع بالعودة إلى فلسطين.

غزة طال فيها الحصار والانتظار في مخيمات القطاع التي تزداد الأمور فيها سوءا وتتفاقم أوضاعها مع تقلصات الأونروا لخدماتها وتقليص موازنتها من قبل الولايات المتحدة التي باتت مطالبة بالمقابل بتفعيل القرار 194 كبديل للأونروا لا بالحديث عن صفقة قرن خرافية تنزع منهم حقوقهم وتلقيهم على قارعة الطريق في الإقليم.

مسيرة العودة لم تتوقف عند حدود تصحيح المسار الإقليمي والدولي في النظر إلى الصراع الدائر على ارض فلسطين وفي الإقليم؛ إذ صححت المسار المعوج الذي قاد إلى الانقسام ودفع البعض إلى المراهنة على تسوية سلمية لا طائل منها بدون حراك شعبي واسع يمتد إلى الضفة الغربية التي تعاني من سرطان الاستيطان؛ وإلى أراضي الـ48 التي يعاني عربها الفلسطينيون من نظام عنصري يستمد مقولاته من الابارتهايد.

وأخيرا أعاد قادة الكيان والحالمون فيه وعلى رأسهم نتنياهو وليبرمان إلى الواقع وأنزلهم من برجهم العاجي الواهم؛ المستند إلى عصر من التطبيع والتصهين وصفقة قرن ستحولهم إلى الوكيل الحصري في الإقليم ليمدوا أذرع النهب والسلب إلى ثروات العالم العربي وخزائنه.

كشفت صفقة القرن عن صوت متوجس وقلق مثلته المؤسسات الأمنية وعلى رأسها ايزنكوت رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني بالقول: عيون الفلسطينيين في الضفة الغربية تكرهنا وإسقاط حماس في غزة مستحيل؛ مضيفا بعد ذلك بالقول: التصعيد مع غزة بات مرتفعًا وحماس تستوطن قلوب الفلسطينيين؛ فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلي تدرك محدودية قدراتها على مواجهة التجمعات السلمية وتعلم أن العواقب وخيمة ستمتد إلى الضفة الغربية عاجلا أم آجلا ما يجعلها أمام خيارات صعبة سواء كانت بالتصعيد أو بالاستسلام لهذه التجمعات الحاشدة التي ستتحول إلى نموذج في الإقليم والعالم يتجاوز يوم الذروة في 15 من أيار المقبل.

خشية ايزنكوت وهواجسه لا تتوقف عند حدود قطاع غزة بل تمتد إلى كافة خطوط التماس والمواجهة ومن ضمنها المواجهة القانونية، إذ سرعان ما ستوجه إليه أصابع الاتهام بالمسؤولية عن الجرائم والمجازر التي ارتكبت في مخيمات العودة خصوصا بعد أن أقرت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية بيتسيلم قبل غيرها بأن ما حدث أول أمس يرقى إلى مستوى الجرائم ضد متظاهرين سلميين؛ حقيقة برزت بوادرها الأولى بعد فشل مجلس الأمن في مشاورات البيان الرئاسي بدعوة غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف في حوادث غزة؛ ستتبعها بالتأكيد اتهامات من أركان القيادة السياسية الصهيونية المرتبكة لرئيس هيئة الأركان بالفشل في التعاطي مع الحدث وسيتعرض بدوره لكافة أشكال النقد ليتحول إلى ضحية يقدمها السياسيون على مذبح خلافاتهم وطموحاتهم الخرافية.

الانقسام والصراع حتمية داخل الكابنيت والكيان الإسرائيلي، فالقابلية للتصارع والانقسام كبيرة في ظل تنامي الصراعات الداخلية بين أركان الحكومة وقطاعات المجتمع الصهيوني من مستوطنين وعسكريين ومتطرفين وعلمانيين؛ القابلية كبيرة جدا وستمتد إلى المجتمع الدولي والحلفاء التقليديين والمحتملين الذين بشر بهم نتنياهو أكثر من مرة.

الحدث كبير ولا يمكن تجاهله أو القفز عنه وعلى تداعياته ونتائجه؛ فأمريكا التي وعدت إدارتها الجديدة بمواقف صلبة لصالح الكيان الإسرائيلي وحلفائها العرب والأوروبيين والآسيويين تظهر ارتباكا مقلقا لحلفائها، وتزداد ترددا في مشاريعها الخرافية إذ أظهرت تهورا وانعداما للواقعية والحكمة على عكس إدارة أوباما التي امتازت بحكمة قربتها من الرؤية الواقعية.

بالنظر إلى السلوك السياسي العام فإن ترامب صاحب الوعود الكبيرة بمواجهة كوريا الشمالية انتهى به الأمر إلى القبول بخطة العمل الكورية الشمالية والصينية؛ وأوروبا رغم مواقفها الصلبة وعقوباتها على روسيا إلا أنه أبدى استعدادا للتعامل مع بوتين ولقائه بعيدا عن أعين الأوروبيين؛ وإيران وتركيا انتهى به الأمر إلى الإعلان عن الانسحاب من سوريا رغم وعوده النارية للأكراد وحلفائه العرب؛ وفي اليمن لم تتخذ أمريكا أي خطوات عملية لمواجهة التهديدات الحوثية فخلال أيام قليلة أطلق الحوثيون ما يقارب تسعة صواريخ باليستية دون رادع يذكر إلا من الدفاعات السعودية.

في فلسطين لم يختلف الأمر فبعد الوعود والتشدق بصفقة القرن عاد إلى أرض الواقع معبرا عنها بحقائق ميدانية وديموغرافية وجغرافية اقتصادية وأمنية وقانونية لا يمكن القفز عليها بوعود لن تتحقق حتى لو ضخت المليارات من أجلها.

مسيرة العودة في مجمل تداعياتها شقت طريقا مستقيما نحو الحقوق الفلسطينية ويتوقع أن تستمر في شق طريقها على أمل تصحيح مسار الصراع الذي يهدد مساره المعوج وحدة الصف العربي؛ مستعيدة بذلك مقولاتها الشرعية والأساسية المستندة إلى الثوابت الفلسطينية التي تمثل الحقيقة الوحيدة في هذه المواجهة التي يتفق ويتوج خلفها الجميع. 

السبيل الأردنية