بإقالته وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من منصبه وتعيين مدير وكالة الاستخبارات مايك بومبيو بدلا منه، يدق الرئيس دونالد ترامب مسمارا قد يكون الأخير في نعش محور "الراشدين"، وهو المحور الذي تزعمه ريكس تيلرسون وخلق نوعا من التوازن في سياسة أمريكا الخارجية.
ما من شك أن وزير الخارجية الجديد سيكون
أقرب إلى تفكير الرئيس ترامب في ملفات مهمة شكلت أساسا للخلاف بين ترامب
وتيلرسون، وهنا الحديث عن إيران. فالسيد مايك بومبيو يعد من الصقور في السياسة
الخارجية، وسبق أن انتقد بقوة الاتفاق النووي مع إيران، وهو من الذين يفضلون
التراجع عن الاتفاق ورفع الكلفة على وجود إيران في سوريا.
هناك طبعا من يتحدث عن البعد الشخصي في القرار،
فلم تكن هناك حالة من الكيمياء بين ترامب وتيلرسون، وفي إحدى المناسبات وصف
تيلرسون رئيسه بأنه "أحمق"؛ ما دفع البعض إلى التأكيد بأن وجود تيلرسون
كان ضروريا لمنع الرئيس الأمريكي من أي خطوة غير محسوبة في السياسة الخارجية. على
العكس من تيلرسون، يتمتع ترامب بكيمياء مختلفة مع مايك بومبيو الذي يقلل من أهمية
التحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات، لكنه في الوقت ذاته يرى بالرئيس
بوتين خطرا لا بد من لجمه.
وفي سياق متصل، يمكن القول بأن سيطرة تيار الصقور
في الإدارة الأمريكية سيكون له انعكاسات مباشرة على إقليم الشرق الأوسط. فمايك
بومبيو كان يطالب الرئيس باراك أوباما بشن هجمات عسكرية ضد الأسد بعد استخدام
السلاح الكيماوي في آب من العام 2013. ويجري الحديث الآن عن احتمال استخدام النظام
السوري السلاح الكيماوي في الغوطة، ما يقدم ذريعة لأمريكا لاستهداف قوات النظام
السوري بشكل مباشر.
بمعنى آخر، نحن بصدد أن نشهد تغيرا نوعيا في
الطريقة التي ستتصرف بها الولايات المتحدة، مدعومة من فرنسا وبريطانيا في حال قرر
الرئيس ترامب الهجوم مباشرة على قوات الأسد والقوات الإيرانية في سوريا. هناك
مصادر إيرانية تشير إلى أن الرئيس بوتين حذر طهران من أن الولايات المتحدة لن تقف
مكتوفة الأيدي في حال سقوط الغوطة، والحديث هنا يجري عن هجمات عسكرية مكثفة تشنها
إسرائيل والولايات المتحدة وهو السيناريو الذي يخلط كافة الأوراق في سوريا، ويجعل
من الانتصارات الروسية والسورية والإيرانية وكأنها صرح من خيال فهوى. ويشير المصدر
الإيراني بأن روسيا طلبت من إيران الاستعداد للمعركة بشكل جيد.
اللافت أن الرئيس ترامب أحاط نفسه بشكل وثيق
بمجموعة من الصقور الذين يؤيدون سياسته الخارجية المستندة إلى التنمر، وهذا لا
يعني أن ريكس تيلرسون كان فعالا في التعامل مع إيران، لكنه كان كابحا لأي توجه
حقيقي قد يفضي إلى مواجهة عسكرية مباشرة. والسؤال هنا، من سيمنع ترامب من أخذ
أمريكا باتجاه المواجهة المباشرة مع إيران؟ والحال أن فرص بقاء الاتفاق النووي أقل
بكثير من السابق وأن إيران ستواجه إدارة أمريكية مستعدة لتمزيق الاتفاق والمواجهة
العسكرية إن تطلب الأمر.
إسرائيل بدورها ستبدو فرحة لسببين: أولا، يعتبر
مايك بومبيو أكثر تعاطفا مع إسرائيل من تيلرسون فيما يتعلق بالموقف من حل القضية
الفلسطينية، وثانيا وربما الأهم حاليا، هو أن مايك بومبيو يعد أقرب إلى نتنياهو
وحكومته بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وعلى الأرجح أن تشهد العلاقات الأمريكية
الإسرائيلية تطورا استراتيجيا، ربما ينطوي على تنسيق حثيث ووضع خطط عملياتية
مشتركة للنيل من إيران قريبا. من المبكر الحكم حول السيناريو الأرجح في قادم
الأيام، لكن في ظل هزيمة تيار "الراشدين" وسطوع نجم تيار الصقور، يبدو أن
ما كان مستبعدا في فترة سابقة، يمكن أن يكون عنوان المرحلة القادمة.
الشرق القطرية