خلص كتاب (سوسيولوجيا التطرف والإرهاب في الأردن): دراسة ميدانية وتحليلية، الذي أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية الخميس، وشارك في تأليفه كل من د. محمد أبو رمان ود. موسى شتيوي إلى أنّ هنالك تحولاً في نمط التيار السلفي الجهادي في الأردن من السياق الفردي الذكوري إلى العائلي والشبكي.
وتبرز في فصول الكتاب حالات جديدة مثل: الأشقاء الجهاديين، والآباء والأبناء، والشقيقات الجهاديات، والأحداث الجهاديين، فالتيار لم يعد – كما كانت الحال سابقاً- مشكّلاً من أفراد ذكور بالغين، متأثرين بهذا الفكر، بل أصبح عائلات؛ آباء وأبناء زوجات، وبنات، ما يعني الوصول إلى درجة من التجذّر الاجتماعي والثقافي أكبر مما سبق.
ويمثّل الكتاب، الذي تم إطلاقه خلال ندوة في فندق اللاند مارك في عمان، بمشاركة وزير الشؤون السياسية، د. موسى شتيوي والمؤلفان، نتائج دراسة نظرية وميدانية شملت بيانات لمئات الناشطين في التيار السلفي الجهادي في الأردن، شملت ما يقرب من 760 جهادياً، منهم قرابة 190 قتلوا في سورية والعراق، و11 دراسة لحالات معمّقة، منذ العام 2010 إلى بداية العام الحالي.
انقسم الكتاب إلى عدة فصول: تناولت التطور التاريخي والمراحل التي مرّ بها التيار، ثم سوسيولوجيا التطرف في الأردن، عبر الاستفادة من الخبرة الميدانية التي تحصل عليها الباحثون خلال العمل بالكتاب، وفصل تحليلي للبيانات والمعلومات التي تم تجميعها عن أبناء هذا التيار، من حيث العمر، والمحافظة، والتعليم والعمل والخصائص الاجتماعية المختلفة، وأخيراً شمل الكتاب دراسة لحالات عديدة، ثم الخاتمة والخلاصات والتوصيات.
على صعيد النتائج الرئيسة؛ بيّن الكتاب أنّ محافظة الزرقاء، وبالأخص مدينة الرصيفة، تمثّل اليوم المركز الأكبر لنفوذ التيار وحضوره، وذلك يتضح من خلال القيادات المعروفة للتيار من المحافظة، وحجم المشاركة في تنظيمي فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنظيم الدولة من أبناء المحافظة، ونسبة من وصلوا منهم إلى مواقع قيادية في الحالة السورية، فهي مسألة لافتة فعلاً.
يشير التحليل الكمّي إلى أنّ 40% من الحالات المدروسة هي من محافظة الزرقاء، بينما قرابة 17.4% من محافظة إربد، و13% من البلقاء، و12% من عمّان.
كما ذهبا إلى أنّ هنالك صعوداً في حضور التيار في محافظة إربد، بخاصة مخيم إربد والأحياء المجاورة له، وهو أمر ملاحظ في عدد المقاتلين هناك في سوريا والعراق، والمشاركين في عملية إربد (2016)، ثم تأتي وفقاً لهذه القراءة محافظة البلقاء، وأخيراً عمّان، بخاصة عمّان الشرقية، ثم معان والكرك.
على صعيد السمات الاجتماعية فإنّ الكتاب يشير إلى ثلاثة أجيال من الجهاديين، فإذا افترضنا أنّ العمر المثالي للانخراط بهذا الفكر هو العشرينيات، فإنّنا سنجد تناسباً بين الأجيال الثلاثة "الجهادية" في الأردن وبين متغيّر العمر، فالجيل الأول الذي شارك في القتال أو تأثر بساحة أفغانستان وكاريزما الشيخ عبدالله عزام خلال عقد الثمانينيات، ثم عاد مع بداية عقد التسعينيات، من بقي منه جهادياً يفترض أنّه اليوم في عقد الأربعينيات أو الخمسينيات. وهناك الجيل الثاني، الذي ظهر في مرحلة لاحقة، مع أحداث سبتمبر 2001 واحتلال العراق 2003، ممن قاتلوا في العراق مع تنظيم الزرقاوي أو في أماكن أخرى. أمّا الجيل الثالث، فهو من قدّم أو التزم بالتيار في الأعوام الستة الأخيرة، وبصورة خاصة مع أحداث سورية والعراق نهاية 2011، وأغلب هذا الجيل هو من أبناء العشرينيات بدرجة أولى والثلاثينيات، ومنهم نسبة كبيرة ممن قتلوا وهم يقاتلون مع تلك المنظمّات، من طلاب الجامعات وغيرهم.
ويؤكد تحليل بيانات الكتاب أنّ غالبية أبناء التيار هم من جيل الشباب، بخاصة العشرينيات، وإن كان هنالك كما ذكرنا سابقاً، أعماراً أخرى، مثل الأحداث، وفوق الثلاثين، ويصل بعض الأفراد إلى الستينيات والسبعينيات، إذ يشير التحليل الكمّي إلى أنّ 77% دون الثلاثين.
أمّا فيما يتعلّق بالتعليم، فمن الواضح أنّ هنالك ارتفاعاً ملموساً – خلال الفترة الأخيرة- في نسبة المتعلّمين في هذا التيار، إذ وصلت إلى 21.6% من البكالوريوس وطلاب الجامعات، و1.8% من الدراسات العليا (ماجستير، وحاصلين على شهادات الدكتوراه)، بمعنى أنّ النسبة تكاد تصل إلى ربع العدد الكلّي، وهي نسبة مرتفعة، مقارنةً بالصورة النمطية التي كانت تربط قبول هذا الفكر بمستوى متدنٍ من التعليم والثقافة.
لا تختلف الحال بالنسبة للوظيفة والعمل، والحالة الاجتماعية، فهناك ارتفاع في نسبة العاملين مقارنةً بالصورة النمطية التي تربطهم بالبطالة، إذ تصل نسبة البطالة إلى 27.6%، فيما الآخرون يعملون، وذلك لا يعني – بالضرورة- التقليل من أهمية البطالة كأحد المداخل في قراءة الظاهرة، فهذه النسبة التي تقترب من الثلث تعني أنّ البطالة قد تكون عاملاً مؤثّراً.
من خلال التجربة البحثية ودراسة الحالات تتبيّن مجموعة من النتائج المهمة، منها أنّ هنالك روافد أو خلفيات فكرية متباينة لمن انضموا لتنظيم الدولة والنصرة في القتال في سورية والعراق، فليسوا جميعاً من أعضاء التيار السلفي الجهادي الأردني، فهنالك مجموعة ممن تعود خلفيتهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو كانوا في مرحلة من المراحل أعضاءً فاعلين في الجماعة، وهنالك من ينتمون إلى خلفيات سلفية تقليدية، وهم أقل ممن ينتمون للتيار المعروف باسم السلفية الحركية، ومن كانوا ينتمون إلى جماعة الدعوة والتبليغ المسالمة، التي لا تتدخل في السياسة. وهنالك من لا ينتمون إلى توجهات إسلامية سابقاً، وبعضهم من أصحاب السوابق، الذين تمّ تجنيدهم أو تأثروا بهذا الفكر داخل السجون.
ومن ضمن نتائج دراسة الحالات نجد تأثيراً مهماً ورئيساً لشبكة الأصدقاء، سواء كانوا في الجامعة أو الحيّ أو الجامع أو حتى النادي، ولدور عامل القرابة أيضاً تأثير ملحوظ. لم يعد الموضوع ضبط نشاطات هذه التيارات والأفكار في المساجد، بل أصبح الحيّ والنادي والمنازل والجامعة والعمل، كلّها أماكن متوقعة لعملية التأثير.
في المجمل، يرى الكتاب أنّه من الصعب تماماً القول بوجود Profile أو تنميط معيّن للمنتمين لهذه التيارات، فهنالك أعمار مختلفة (مع غلبة الشباب) ومستويات اجتماعية واقتصادية وتعليمية وثقافية متنوعة ومتعددة، ما يُضعف أو يحدّ من الصورة النمطية التي تربط أفراد هذه الجماعات بمتغيرات محددة بصورة صارمة.
ويعرض الكتاب عدداً من المؤشرات البحثية المهمة في نتائجه، من بينها:
أ- تزايد ملحوظ في نسبة انخراط النساء في هذه التيار، وتطوّر هذه المشاركة من مجرد أن تكون زوجة لأحد الأفراد المنتمين لهذا التيار، إلى مشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتعبير عن الانتماء لهذا التيار والدعوة إليه، وعبر المشاركة في الإعداد اللوجستي للعمليات، ما انعكس على حضور المرأة الأردنية للمرة الأولى في قضايا أمن الدولة الخاصة بالإرهاب.
ويرى الكتاب أن مثل هذا التطوّر مرشّح للازدياد والصعود وأن يتحول إلى Trend، بما يشبه الحالة السعودية، إذ بدأت عبر علاقات الزواج والقرابة بين النساء وأفراد التيار، ثم أنشطة متعاطفة للنساء مع أقربائهم المعتقلين، ولاحقاً إلى مشاركة فاعلة في الإعلام لهذه الجماعات، ولاحقاً الهجرة والانضمام وتنفيذ عمليات انتحارية أو عمليات قتالية مع هذه الجماعات.
ب- بصورة موازية، لكن أقل من حيث الكثافة والنوعية يبرز موضوع الأحداث الصغار، كمشاركين في هذه التيار، وقد سبق وأشرنا إلى أنّ التحول من الفردية إلى العائلية من الضروري أن ينعكس على الأبناء، كما نلاحظ في أدبيات وإعلام تنظيم الدولة اهتماماً خاصاً بالأطفال والأحداث، عبر من يسميّهم بأشبال الخلافة، ووجدنا في العديد من العمليات والجماعات التي تم الإعلان عنها وجوداً لأحداث، ما أدى إلى تأسيس دار خاصة بالأحداث الإرهابيين.
ت- ارتفاع حجم فاعلية التيار في محافظة إربد، وفي المناطق الشمالية مقارنة بمراحل سابقة، بخاصة في مخيم إربد، الذي لاحظنا دخوله بقوة على خطّ تصدير الأفراد إلى النصرة وتنظيم الدولة في سورية. والحال كذلك بالنسبة لمدينة الكرك التي وإن كانت نسبتها أقل من محافظات أخرى، إلاّ أنّها ظهرت على خارطة التيار، سواء في عملية الكرك أو حتى بعض القيادات الموجودين في سورية والعراق، وسمات أخرى لافتة.
ث- التواصلية في مسار التيار، فالعديد من الأفراد، الذين تمّ اعتقالهم والحكم عليهم في قضايا محكمة أمن الدولة عادوا إلى العمل والنشاط خلال فترات لاحقة، وبعضهم تم الحكم عليه في أكثر من قضية، متتالية، وآخرون شاركوا في أكثر من ساحة خارجية في القتال إلى جوار هذه الجماعات والتنظيمات.
ج- ازدياد الظاهرة لدى المعلّمين، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، فهنالك نسبة تصل إلى 8.2%، ولاحظنا أنّ العديد ممن قتلوا في سورية والعراق، أو اعتقلوا وتم الحكم عليهم هم من المعلمين، ما يستدعي إلى الاهتمام بهذه الشريحة المهمة في عملية التربية والتعليم والتأثير على الأجيال القادمة.
ح- ازدياد أعداد المنتمين لتنظيم الدولة، على حساب التيار الجهادي التقليدي، فالمؤشرات تدلّ على أنّهم الأغلبية في هذا التيار، وهم الجناح الأكثر تشدداً وجنوحاً نحو العنف والعداء للدولة، بينما الجناح الآخر بقيادة المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، يجنح إلى التهدئة مع الدولة وعدم الدخول في مواجهة سياسية أو صدام.
وفي نهاية الكتاب قدّم المؤلفان العديد من التوصيات المرتبطة بنتائج البحثية في بناء استراتيجية مكافحة التطرف والإرهاب، ومنها تغيير المقاربات الحالية لسياسات مكافحة التطرف والإرهاب: من التفكير فقط بالأفراد الذكور البالغين لتشمل النساء والأطفال، وذلك من الضروري أن ينعكس على الأساليب والخطاب والمؤسسات أيضاً. لقد تمّ تأسيس مركز متخصص برعاية الأحداث، وذلك لا يكفي، فهنالك أعداد متزايدة من النساء والأطفال، و"العائلات الجهادية" ومن الضروري أن يتوسّع التفكير لإعادة تصميم الخطاب والمقاربة والأولويات.
ومن التوصيات الاهتمام بموضوع "تحدّي عائلات العائدين" من الخارج، فمن الضروري أن يكون التفكير في النساء والأطفال، الذين كانوا في الخارج، واندمجوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع مجتمع هذه الجماعات وتلك الأفكار، ما يستدعي تخصيص جهد مؤسسي وثقافي ومجتمعي خاص بهذه الفئة، من أجل دراستها وتقديم تصوّر لكيفية التعامل معها، وإعادة إدماجها في المجتمع قدر الإمكان.
كما يشير المؤلفان إلى تحدّي العائدين من الخارج، فإنّ تحدي العائدين من السجون أكثر أهمية وإلحاحاً، لأنّه مؤكّد ويمكن معاينته قريباً، فهنالك اليوم المئات من المحكومين على خلفية قضايا عديدة، منها قضايا الترويج، ومحاولة الالتحاق وغيرها، من المتوقع أن ينهوا فترة محكوميتهم في مراكز الإصلاح والتأهيل خلال العامين القادمين 2020-2022، وفقاً لمعدل الحكم بين خمسة أعوام إلى سبعة، خلال الأعوام الماضية، وأغلبية هؤلاء وضعوا في مهاجع مخصصة لأفراد هذه التنظيمات، ما يعني أنّهم على الأغلب طوّروا وجذّروا من انتمائهم وعلاقته بهذا التيار، وهو ما توضحه التجربة التاريخية مع العديد من خرّيجي مراكز الإصلاح والتأهيل، ما يضعنا أمام كمّ كبير من الجهاديين من دون وجود برنامج واضح ولا مقاربة للتعامل معهم.
ويدعو المؤلفان إلى تقييم كاملة لبرنامج الإرشاد والرعاية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، ومأسسة الجهود في هذا المجال، وإشراك مؤسسات متعددة من الدولة والمجتمع المدني بهذا البرنامج الخاص بتأهيل لمرحلة السجن والتكيف لما بعد السجن، مثل إطلاق السراح المشروط، توفير بيئة أخرى مغايرة، مراقبة السلوك من قبل مؤسسات مجتمع مدني متخصصة، وغيرها من أدوات ومقاربات، لكن الأهم أن يتم تطوير الخطاب الموجّه لهم بصورة مدروسة وذكية.
كما ينبّه الكتاب إلى إعادة النظر في العقوبات والإجراءات المتخذة ضد الجرائم غير العنيفة، المرتبطة بالعنف والتطرف، بخاصة تهمة الترويج، والعمل على إيجاد منهجية بديلة متدرّجة للتعامل مع هذه الحالة، نظراً لخطورة فترة السجون في تجذير الفكر وتعزيزه، بدلاً من إصلاحه.
شهر على عملية سيناء.. والغموض سيد الموقف
مواطنو سيناء يعانون حصارا خانقا.. إقامة جبرية وقطع للاتصالات
هل سيخرج مؤتمر الجزائر باتفاق أمني حقيقي بين العرب؟