كتاب عربي 21

أم بي سي ومقاطعة المسلسلات التركية

1300x600
انتشرت قبل أيام في وسائل الإعلام العربية أنباء تفيد بأن مجموعة أم بي سي السعودية قررت وقف بث المسلسلات التركية في جميع قنواتها. ونقلت وكالة رويترز عن المجموعة أنها تلقت أوامر بوقف بث الدراما التلفزيونية التركية، وسط نقاش ساخن حول أسباب هذا القرار المفاجئ، وهل هو مجرد قرار اقتصادي أم له بعد سياسي؟

العلاقات التركية السعودية تدهورت في أواخر عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بسبب التباين الكبير في موقفي البلدين من ثورات الربيع العربي وإسقاط الرئيس المصري المنتخب بانقلاب عسكري دعمته وموَّلته الرياض. وبعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، ظهرت في الأفق بوادر التحسن في العلاقات التركية السعودية، إلا أنها سرعان ما اختفت، كما أن وقوف أنقرة إلى جانب الدوحة في الأزمة الخليجية الأخيرة زاد الطين بلة.

قرار المجموعة السعودية يبدو سياسيا بامتياز، وإن لفت المتحدث باسم المجموعة مازن حايك في تصريحاته إلى البعد الاقتصادي والتوجه نحو الاستثمار في إنتاج مسلسلات عربية بديلة. وتدل تصريحات حايك على أن القرار "جماعي" يشمل عددا من المحطات التلفزيونية العربية في عدد من الدول. ولا يحتاج المرء إلى أن يكون كاهنا لمعرفة أن تلك الدول المقصودة بالدرجة الأولى هي تلك التي قطعت علاقاتها مع قطر في رمضان الماضي.

لو كان القرار لمجرد أسباب مالية واقتصادية أو بهدف دعم المسلسلات العربية لكان وقف بث المسلسلات التركية يتم بشكل تدريجي بعد إنتاج مسلسلات عربية بديلة، ولم يتم حذف الحلقات القديمة المنشورة في مواقع قنوات أم بي سي. وبالتالي، يبقى السؤال مطروحا: "لماذا اتخذ هذا القرار؟".

يبدو أن القوم يرون المسلسلات التركية نوعا من "الغزو الثقافي" الذي يعبر الحدود، ويجتاح البلاد، ويكسب قلوب العباد، وينشر بين الناس حب تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، إلا أن خطوة من هذا القبيل لا يمكن أن تحول بين محبي تركيا وتعاطفهم مع هذا البلد. وذلك لأسباب:

أولا: مجموعة أم بي سي مهما كانت كبيرة فإنها ليست الوحيدة في الساحة، ولا تسيطر على جميع القنوات العربية. بل هناك فضائيات كثيرة تصل برامجها إلى المشاهد العربي عبر الأقمار، بالإضافة إلى أن عشاق المسلسلات التركية يمكن أن يشاهدوا حلقاتها عبر الإنترنت، لأن حلقات تلك المسلسلات تُنشر في مواقع مثل "يوتيوب" سواء باللغة التركية أو المترجمة إلى العربية.

 ثانيا: من يعتقد أن قوة تركيا الناعمة مصدرها المسلسلات يخطئ. لأن تلك القوة تملأ الآفاق بسبب النجاحات الباهرة التي حققتها تركيا خلال السنوات الأخيرة في مختلف المجالات. ويرى الجميع نتائج هذه النجاحات دون الحاجة لمشاهدة المسلسلات.

ثالثا: المسلسلات التركية أسهمت في إقبال السياح العرب على زيارة مدن تركيا وأريافها، إلا أن دور المسلسلات في تنشيط السياحة التركية محدود، لأن السياح العرب ليسوا في المرتبة الأولى في قائمة زوار تركيا، كما أن جميع السياح العرب الذين يزورون تركيا لا يزورونها بسبب مشاهدتهم للمسلسلات التركية.

هناك أنظمة عربية منزعجة من تركيا لمواقفها المشرفة من الربيع العربي ومطالب الشعوب وقضايا المسلمين، بالإضافة إلى موقفها من الأزمة الخليجية الأخيرة، كما أن هناك انزعاجا أعمق يثير جنون تلك الأنظمة، وهو تعاطف الشعوب العربية مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان. وهذا التعاطف الصادق لا يمكن أن توقفه أو تطفئ جذوته مقاطعة المسلسلات ولا حملات التشويه التي يشنها الذباب الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

النجاحات الكبيرة التي حققتها تركيا بقيادة أردوغان ليست مجرد دعاية فارغة أو هياط، كما أن المشاريع التنموية العملاقة التي تم إنجازها خلال السنوات الأخيرة ليست كــ"تفريعة السيسي". وتستمد تركيا قوتها من ديمقراطيتها وإرادة الشعب التركي التي تتجلى عبر صناديق الاقتراع. ولا يعتمد اقتصادها على المسلسلات. كما أن هناك عوامل عديدة، مثل الأجواء الرائعة والمناظر الخلابة والآثار التاريخية العريقة وغيرها، تجذب السياح إلى البلاد من جميع أنحاء العالم.