قضايا وآراء

المهاتما غاندي وحل المشكلة العراقية

1300x600

ليس عيبًا أن تتعلم الشعوب من تجارب بعضها، ففي الوقت الذي جرب فيه الشعب العراقي كل الخيارات المتاحة لوضع حد للمشاكل التي يعاني منها وكان مصيرها الفشل، صار لزامًا عليه البحث بتجارب الشعوب الأخرى التي نجحت في الانعتاق من الاحتلال وبناء دولهم المستقلة. 


ما حدث في العراق له أوجه شبه كثيرة مع ما حدث في الهند إبان الاحتلال البريطاني لبلادهم، مع الفارق بنوعية الاحتلال واختلاف الزمان، واختلاف ثقافة الشعبين، لكن هناك مشتركات مهمة يمكن الاستفادة منها في السعي لتحرير الشعب العراقي. 


كانت استراتيجية "المهاتما غاندي" في مقاومته للاحتلال البريطاني تتمثل باعتماده على ما عرف في عالم السياسية "المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف، كان يبتغي من خلالها إلحاق الهزيمة بالمحتل بطريقة اللاعنف، لكنه كان بنفس الوقت يؤمن باستخدام العنف إذا ما فشلت طريقته السلمية.

 

وفي ذلك قال غاندي: "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف برأي "غاندي" هو إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام عليه من جهة ثانية. 


وكانت سياسة اللاعنف تعني بمفهوم "غاندي" أن على الشعب القيام بالمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من تبعات هذا المنهج حتى لو أدى ذلك إلى الموت.

 

لكن "غاندي" بنفس الوقت يفسر نهجه، بأنه أسلوب نضالي لا يمكنه تحقيق أهدافه إلا إذا كان العدو يتمتع ببقية من ضمير تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.

 

وهذا الذي لا نجده بالحالة العراقية مع الأسف، فلا الوجود الإيراني ولا المحتل الأمريكي ولا الحكومة الطاعنة بالفساد في بغداد، يمتلكون شيئا مما ذكر.

 

ورب سائل يسأل، لماذا أذن نتخذ سياسية اللاعنف في نضالنا في الوقت الذي لا يمتلك عدونا شيئا من سلامة الضمير، ويمتلك من آلة الحرب الشيء الكثير، وتنتشر ميلشياته بعموم العراق؟ وبالتالي ستؤدي لاضطهاد هذا الشعب.

 

السؤال يحمل في طياته الجواب، فبسبب ان عدونا يحمل من السلاح أكثره وأفضله، ومن المليشيات أكثرها عددًا ووحشية، فأن منازلة غير متكافئة معهم تعني الانتحار.

 

غاندي اختار النضال السلمي لكونه التكتيك الوحيد المحتمل نجاحه ضد بريطانيا، وأي حركة مسلحة تواجه القوة العسكرية البريطانية مآلها الفشل، والحال نفسه ينطبق على العراق، فالعدو يتحين الفرصة للانقضاض على ما تبقى من أحرار الناس .


كان "غاندي" يعمد على تهدئة مواطنيه ويدعوهم للصبر. لكنه أعلن خطة اللاتعاون مع الإنجليز حتى يرضخوا ويعيدوا للهند حقها، فاستقال الموظفون وأضرب الطلاب وهجرت محاكم الاحتلال ونُظّمت الحركات الشعبية وتمت مقاطعة البضائع الإنجليزية، لقد نجح "غاندي" بتحرير مواطنيه من الخوف على النفس ولقمة العيش والمصالح الذاتية، كان همه الأكبر أن لا يحدث انفجار يبرر لجوء الإنجليز للسلاح.

 

مكرراً على مسامعهم أن "الإنجليز موجودون هنا ليس بسبب قوتهم، وإنما بسبب ضعفنا وخوفنا وتشتتنا" وهذا الأمر ينطبق على العراق تماماً، فإذا ما نجحنا في إقناع شعبنا بعدم التعاون مع شخوص طهران وواشنطن فإن هذين الاحتلالين لن يستطيعا البقاء في العراق حتمًا.


كان غاندي دائمًا ما يؤكد على عدم انجرار شعبه ليقوم بنفس ما يقوم به المحتل، فيقول: "إذا كان المستعمر متوحشاً، فلا يجب أن ننافسه في توحشه، ولنثبت للعالم أننا أصحاب حضارة وسلوكيات أرقى".

 

والشعب العراقي العريق بحضارته أرفع من يستخدم أساليب المليشيات الإيرانية المتوحشة، وهو قادر على فرض أساليبه الحضارية في مقاومتهم. 


فهل تجربة غاندي يمكن أن تنجح في العراق؟ نحن نعلم أن قيام العراقيين بتحرير أنفسهم ليس بالأمر التعجيزي، إنما الأمر يحتاج إلى همة وتضحية ودور كبير واستثنائي للمثقفين، لتوصيل معاني الحرية لكل أبناء شعبنا، من خلال إجراءات ليست بالمعقدة لكنها تحتاج الإرادة الحرة، نذكر بعضًا منها هنا والمفكرون العراقيون قادرون على زيادتها بما يتناسب مع الخصوصية العراقية.


- نشر ثقافة التلاحم بين مكونات الشعب العراقي، ذلك التلاحم الذي يكون أساسه الشراكة بالوطن وتقاسم الحقوق والواجبات، وهو أمر ليس بجديد على العراقيين، ويجب أن يعرفوا أن التلاحم هو السبيل إلى الخلاص، وسواها لن يؤدي إلا للمزيد من الخراب والدمار.


- نشر الوعي السياسي بين أوساط الشعب، والبرهنة على أن العملية السياسية الحالية سائرة إلى طريق مسدود، ولا سبيل لإصلاحها في ظل تشبث الفاسدين بالحكم وقطع الطريق أمام المصلحين. 


- إصرار الشعب العراقي على عدم التعامل مع العملية السياسية ولا مع مخرجاتها، للحد الذي يجعل دول العالم تضطر للتعامل مع ممثلي الشعب الحقيقيين، والاتفاق معهم لتشكيل عملية سياسية جديدة، وبناء العراق ليكون وطنًا آمنًا للجميع.


- للحالة العراقية خصوصيات، تتمثل بالمسلك الدموي للحكومة وعلى هذا، فمن المهم أن تكون القيادة السياسية لهذا الحراك، خارج العراق لكيلا تكون تحت طائلة بطش الحكومة. 


- ويجب توفير الحماية الجماهيرية للقيادات الميدانية وضمان عدم وصول آلة البطش الحكومي إليهم، من خلال حماية الجماهير لهم. من دون توسيع المواجهة للحكومة، لأن هذا ما تريده الحكومة بالضبط.