دعا رئيس "رابطة المستقلين الكرد السوريين" عبد العزيز تمو "وحدات حماية الشعب" إلى الانسحاب الفوري من مدينة عفرين، لكنه شكك في الآن ذاته باستجابتها لهذه الدعوات.
من جانب آخر، استبعد تمو في مقابلة مع "عربي21"، وهو شقيق السياسي الكردي الراحل المعارض للنظام مشعل تمو، دخول النظام السوري إلى مدينة عفرين، مشيرا إلى خشية النظام من تعاظم نفوذ "الوحدات" بعد استقوائها بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ما يأتي نص الحوار:
كنتم كمستقلين سوريين أكراد وجهتم من قبل دعوة إلى "الوحدات" للانسحاب من مدينة عفرين ما قبل إعلان تركيا عن "غصن الزيتون" في عفرين، ولم تلق دعوتكم آذانا صاغية، فلماذا عاودتم الحديث عنها في الوقت الراهن؟
لقد طرحنا هذه الدعوة من قبل على أمل أن نعيد حكم عفرين لأهلها، بعيدا عن تسلط حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وعلى أمل أن نجنب المدينة ويلات الحرب، لكن لم تستجب "YBG" لهذا الطلب، واليوم أعدنا الكرة على أمل إنقاذ المدينة.
لكننا في الوقت ذاته لا نعتقد أن تنسحب هذه المليشيا من عفرين، إلا في حال تمت محاصرته داخل عفرين، لأن من يسيطر على هذه المليشيا أي قادة "بي كا كا" لا يخسرون شيئا في هذه الحرب، لأن الحزب غير سوري بالأساس، وهو عبارة عن منظمة تركية يتزعمها أوجلان الذي يقبع في السجون التركية.
إن هذه المنظمة تدير هذه الفروع التابعة لها من جبال قنديل، من قادة من جنسيات مختلفة تركية وإيرانية وعراقية وسورية، بالتالي لا يهم هؤلاء الدماء السورية.
ولو عدنا إلى بداية تأسيس تلك المنظمة، فنجد أن هدف مؤسسها أي الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان تحشيد الشباب الكرد لزعزعة أمن واستقرار تركيا، حتى يكون متحكما بهذا الملف ويجعل منه ورقة مساومة مع الدولة التركية.
أشرتم إلى أن منظمة "بي كا كا" غير معنية بالخسائر البشرية والمادية في عفرين، ومن ثم تحدثتم عن احتمال انسحابهم في حال حاصر الجيش التركي وقوات الجيش السوري الحرّ عفرين، لو فسرت لنا هذا بشكل أوضح؟
توظف هذه المنظمة الشبان السوريين الأكراد دون أن تأبه لمقتلهم أو لدمار مدنهم، وكوباني أقرب مثال على ذلك، والكل شاهد كيف تم تدمير المدينة من قبل التحالف، بالنسبة للمنظمة الأرض ليست أرضها والنساء والشعب كذلك.
بالمقابل فإن حصار مدينة عفرين قد يدفع بقادة المنظمة إلى الانسحاب للحفاظ على أرواح قادتها الذين قدموا إلى المدينة من قنديل، علما بأنه يتواجد الآن في عفرين أكثر من حزب يقاتل إلى جانب هذه المنظمة، من بينهم جماعات تابعة لليسار الثوري التركي المصنف إرهابيا.
ومن هي الجهة التي ستملأ الفراغ في حال انسحاب "الوحدات" من عفرين، وما مدى واقعية الحديث عن دخول ما يسمى "بيشمركة روج" إلى المدينة؟
أهل المدينة أولى بحكم مدينتهم من هؤلاء، والمدينة قادرة بخبراتها على إدارة شؤون نفسها بنفسها.
أما عن "بيشمركة روج"، فباعتقادي أنها كذبة كبيرة تم الحديث عنها من قبل المجلس الوطني الكردي في سوريا، إن هؤلاء الشباب الكرد الذين لجأوا إلى إقليم كردستان العراق هربا من التجنيد الإجباري، تم دعمهم من قبل حكومة الإقليم هناك، وتلقوا التدريبات وشاركوا مع بيشمركة كرستان في المعارك هناك في الموصل وشنكال، بالتالي هؤلاء يتبعون إلى إقليم كردستان العراق، وليس لهم وجود في سوريا بالمطلق.
إن أعضاء المجلس الوطني الكردي الذين لم تكن لديهم الشجاعة لتسليح كتائب ثورية في سوريا، ولم يقدموا الدعم للشباب الكردي الثائر، وبعد دخولهم الائتلاف يدعون لأن لديهم قوة تسمى "بيشمركة روج"، علماً بأن هذه القوات تابعة لرئاسة إقليم كردستان.
وماذا عن احتمال دخول النظام إلى عفرين، وخصوصا أن "الوحدات" دعت في وقت سابق النظام إلى حماية عفرين، ومن جانب آخر لطالما أنك أشرت إلى قيام النظام السوري بتأسيس منظمة "بي كا كا" فلماذا لا يدافع عنها الآن؟
لنقرأ المشهد جيدا، في العام 1998 هددت تركيا حافظ الأسد باجتياح سوريا في حال لم يتخل عن دعمه لأوجلان، وبالفعل رضخ الأسد وقام بطرد أوجلان من سوريا، ومن بعد قطع النظام علاقته بالحزب وتحسنت علاقته مع تركيا وانتلقت إلى علاقة استراتيجية، واستمرت إلى بداية الثورة السورية.
مع بداية الثورة السورية في العام 2011، قام قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بإجراء مصالحة ما بين النظام وبي كا كا في مدينة السليمانية برعاية الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، واتفق الطرفان حينها على تسليم النظام المناطق ذات الغالبية الكردية لهم مقابل قمع الثورة في هذه المناطق، وهذا ما حصل بالفعل، ولاحظنا كيف حاربت مليشيات "YBG" مع النظام السوري جنبا إلى جنب في حلب وغيرها.
ولاحقا بعد ظهور تنظيم الدولة، بحثت الولايات المتحدة عن وكيل يحارب التنظيم ولا يحارب النظام السوري، ووجدوا ضالتهم في هذه المليشيات، وقاموا بدعمهم شرق الفرات، وغطوا معاركهم التي دمرت المدن ضد التنظيم، إلى أن حصلت هذه المليشيات على نوع من الاعتراف الدولي، وهنا باتت هذه المليشيات غير مكترثة بعلاقتها مع النظام.
أما بالنسبة لعلاقتهم مع روسيا، فالأخيرة دعمتهم بشكل محدود غرب الفرات، وقبل بدء غصن الزيتون استدعت موسكو قائد المليشيات المعروف بـ"سيبان حمو" إليها وطلبت منهم الموافقة على الانسحاب من عفرين حتى يدخلها النظام، لكنهم رفضوا مستقوين بالولايات المتحدة، وعلى ذلك من مصلحة النظام السوري الذي لا يستطيع أن يبسط نفوذه على كل الأراضي السورية أن يتم ضربها، وخصوصا أنه يخشى الآن من أن تخرج هذه المليشيات عن سيطرته.
بالتالي من غير المستبعد دخول النظام إلى عفرين في حال انكسار الوحدات بداخلها؟
بعد أن شعروا بالخطر يحاولون الآن مغازلة النظام، والتقوا النظام في أكثر من مرة في حميميم والقامشلي وغيرها، لكن على ما يبدو أن النظام السوري غير منزعج من معركة عفرين، وباعتقادي أيضا فإن النظام يعتبر دخول عفرين مغامرة وهو يفكر بالخطوات اللاحقة لما بعد دخوله عفرين، وخصوصا قدرته على حمايتها فيما بعد.