نشرت صحيفة "موند
أفريك" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن الحكم بعدم سماع الدعوة، الذي أصدره
ثلاثة قضاة تحقيق في فرنسا في قضية التهم الموجهة لجنود فرنسيين اغتصبوا أطفالا
قصرا في إفريقيا الوسطى.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن جنود "القبعات الزرق"
التابعين للأمم المتحدة، قاموا بتجاوزات لا حصر لها في البلاد. وفي ذروة الأزمة
التي شهدتها جمهورية إفريقيا الوسطى وعملية "سانغاري" العسكرية، التي
تطلبت نشر 2500 جندي فرنسي في هذا البلد، يبدو أن العديد من الأطفال قد تعرضوا
لاعتداء جنسي من قبل الجنود الفرنسيين، مقابل حصص من الطعام أو بعض المال.
وذكرت الصحيفة أنه بعد
الكشف عن هذه الفضيحة من قبل صحيفة "الغارديان" البريطانية، تم فتح
تحقيق حول الموضوع في باريس ليقع غلقه في 15 كانون الثاني/يناير في سنة 2018، وذلك
لتفادي تشويه صورة فرنسا كبلد حام لإحدى مستعمراتها السابقة، المتمثلة في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وأضافت الصحيفة أن ما
يثير الدهشة في هذا الحكم القضائي يتمثل في عدم إعراب القضاة، خلال نطقهم بالحكم،
عن اقتناعهم ببراءة الجنود المُدانين. من جانبه، أفاد المدعي العام أنه "لا
يمكن الجزم، وفقا للمعلومات المقدمة، بعدم حدوث أي اعتداء جنسي". وعلى الرغم
من التحفظ على القضية دون البت فيها، إلا أنه لا يمكن لأحد التشكيك في الشهادات
التي قدمها عشرات الأطفال الأفارقة، الذين وقعوا ضحايا لأسوأ الانتهاكات من قبل
جنود، كان من المفترض أن يقوموا بحمايتهم.
وأشارت الصحيفة إلى
الأهوال التي شهدتها جمهورية إفريقيا الوسطى، في ظل حكم الاستعمار الفرنسي، حيث تم
استعباد عشرات الآلاف من النساء الفقيرات ليقع إجبارهن على حصاد القطن أو اللاتكس
المستخدم في صناعة المطاط،. وعلى الرغم من نيل هذه البلاد استقلالها في سنة 1960، إلا أن فرنسا لم تتوقف يوما عن محاولة بسط سيطرتها عليها.
وأوضحت الصحيفة أن البعض
يعتقد بأن فرنسا قد باتت تؤدي دورا أكثر إيجابية في جمهورية إفريقيا الوسطى في
السنوات الأخيرة، خاصة منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها خلال سنة 2012. وفي هذا
الصدد، كان الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، قد أفاد أن الهدف من التدخل
العسكري الفرنسي في البلاد، يتمثل في "إنقاذ الأرواح البشرية وتجنب وقوع مأساة
إنسانية". في المقابل، يشير الواقع إلى عكس ذلك تماما، حيث تسببت القرارات
التي اتخذها هولاند ووزير دفاعه آنذاك، جان أيف لودريان، في مرور البلاد بعدة
أزمات.
وأفادت الصحيفة أن نظام
الحكم في جمهورية إفريقيا الوسطى أصبح أكثر استبدادا خلال سنة 2012 تحت حكم
فرانسوا بوزيزي، خاصة على إثر مقاطعة الانتخابات التشريعية وحصول الحزب الحاكم
"كوا نا كوا" على نسبة 100 بالمائة من المقاعد في البرلمان. من جهة
أخرى، أراد رئيس تشاد، إدريس ديبي، الاستفادة من الشغور الذي خلفته وفاة معمر
القذافي، لينصب نفسه سيدا جديدا على إفريقيا، أو على الأقل على إفريقيا الوسطى.
كما اعتزم ديبي السيطرة على هذا البلد الحدودي والاستفادة من ثرواته الهائلة.
وتابعت الصحيفة أن
الحكومة الفرنسية أبرمت اتفاقا مع إدريس ديبي، خلال اجتماع معه في قصر الإليزيه،
في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر سنة 2012. وقد تمثلت فحوى هذا الاتفاق في مساندة
فرنسا لمشروع الإطاحة برئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فرانسوا بوزيزي، مقابل إرسال
تشاد قواتها لمجابهة تنظيم القاعدة في المغرب العربي المتمركز في صحراء مالي.
وأوردت الصحيفة أنه، بعد
أيام قليلة من اجتماع الإليزيه، تشكلت حركة "سيليكا" المتمردة المسلمة،
التي عملت على الإطاحة بالحكم في جمهورية إفريقيا الوسطى لتستحوذ بدورها على
السلطة، برئاسة ميشيل جوتوديا، وبدعم كبير من قبل السلطات الفرنسية.
وبينت الصحيفة أن فرنسا
تغاضت لعدة أشهر عن الانتهاكات العديدة التي قامت بها فصائل حركة
"سيليكا" ضد المسيحيين. وكرد فعل على ذلك، تم تشكيل مليشيا مسيحية
تُدعى "أنتي بالاكا"، التي هاجمت بدورها المسلمين. وقد نتج عن ذلك تأجيج
الصراع في البلاد، مما أجبر فرنسا على إطلاق عملية "سانغاري" خلال شهر
كانون الأول/ديسمبر في سنة 2013.
ونوهت الصحيفة إلى أن
الجيش الفرنسي لم يقم بنزع سلاح المليشيات المسلحة، رغم قدرته على ذلك، وعلى
الرغم من وجود 2500 جندي من قواته في المنطقة. في الأثناء، وُجّهت اتهامات للجنود
الفرنسيين، في العديد من المناسبات، باغتصاب الأطفال والتواطؤ مع هذه العصابات
المسلحة، وهو ما يفسر خيبة الأمل التي خلفها التدخل العسكري الفرنسي في البلاد،
الذي انتهى في سنة 2016، والذي اعتبره سكان إفريقيا الوسطى سببا رئيسيا في
معاناتهم.