في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلنت حكومة الوفاق
الوطني في اجتماعها الأخير، يوم الثلاثاء الماضي، أن إسرائيل استقطعت ما قيمته نصف
مليون شيكل ( 142 ألف دولار) من أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل نيابة عن
السلطة، تنفيذا لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية، القاضي بتعويض عدد من (العملاء)
ممن تعرضوا للتعذيب في سجون السلطة الفلسطينية.
ورغم أن بيان الحكومة لم يوضح طبيعة هذه القضايا، وكم قيمة التعويضات التي ستتحملها السلطة نتيجة لهذا القرار، إلا أن صحيفة هآرتس
العبرية تحدثت، في تقرير لها في 26 من أيلول/ سبتمبر الماضي، أن وزارة المالية الإسرائيلية بلورت خطة
لاقتطاع جزء من أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل لدفع تعويضات مالية لـ(52
عميلا) تعرضوا للتعذيب في سجون السلطة خلال الفترة الممتدة من العام 1997 وحتى
العام 2002، قبل أن يتمكنوا من الفرار من سجون السلطة عقب الاجتياح الإسرائيلي
للمدن الفلسطينية خلال الانتفاضة الثانية.
وبينت الصحيفة أن هؤلاء العملاء حصلوا على قرار من
المحكمة باقتطاع ما قيمته نصف مليون شيكل؛ لتغطية نفقات المحكمة، دون أن يشمل
التعويضات المقرة على السلطة لهؤلاء العملاء، التي قد تصل لملايين الشواكل.
قرصنة إسرائيلية
بدوره، قال المتحدث باسم حكومة الوفاق الوطني، طارق
رشماوي، أن "حكومة الوفاق تسلمت إشعارا من وزارة المالية الإسرائيلية باستقطاع
نصف مليون شيكل تم خصمها من أموال المقاصة، تنفيذا لقرار قضائي إسرائيلي لم يتم
إشعار الحكومة أو السلطة بتفاصيله، كما أن الحكومة ترى في هذا القرار قرصنة
إسرائيلية، حيث تمارس إسرائيل هذه السياسية منذ سنوات باقتطاع ما تشاء من أموال
المقاصة دون اتفاق مسبق مع الحكومة الفلسطينية".
وأضاف رشماوي في حديث لـ"عربي21" أن
"حكومة الوفاق ترى في القرار محاولة إسرائيلية لزيادة الضغط المالي عليها تحت
ذرائع ليس لها أساس من الصحة، كما ستقوم الحكومة بتقديم طلب في الجلسة الثانية
للمقاصة بين وزارة المالية في كلا الجانبين، بإرجاع هذه الأموال للفلسطينيين؛ كونها
أقطعت دون وجه حق".
يشار إلى أن اتفاق أوسلو للسلام، الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل في العام 1993، نص على "إلزام السلطة الفلسطينية بحل مشاكل أولئك الفلسطينيين الذين كانوا على صلة بالسلطة الإسرائيلية، وحتى التوصل إلى حل متفق عليه، يتعهد الجانب الفلسطيني بعدم ملاحقة هؤلاء الفلسطينيين أو الإضرار بهم بأي طريقة".
تجربة السلطة
قال المتحدث السابق لوزارة الداخلية في غزة، وأحد
المطلعين على ملف ملاحقة العملاء، إسلام شهوان، إن "قضية اتهام أحد المواطنين
بالعمالة والتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي يمر عبر تحريات أمنية معقدة؛ نظرا
لأبعادها الاجتماعية التي ستقع على أهالي المتهم، ولكن تعامل السلطة الفلسطينية مع
هذا الملف مر بمرحلتين، الأولى منذ اتفاق أوسلو وحتى انتهاء حقبة الرئيس ياسر
عرفات في العام 2004، حيث كانت قضية ملاحقة السلطة للعملاء تتم بشكل فردي من بعض
عناصر الأجهزة الأمنية، مع الإشارة إلى أنه كان يتم التغاضي عن كثير من الحالات
التي يثبت تورطها بضغط من رؤساء الأجهزة الأمنية".
أما "المرحلة الثانية، فهي مع صعود محمود عباس
لرئاسة السلطة في العام 2005، حيث أبرم اتفاقا مع الجانب الإسرائيلي، يتم بموجبه
وقف السلطة ملاحقة العملاء مقابل الإفراج عن عشرات السجناء من السجون الإسرائيلية،
والتركيز على التنسيق الأمني بين الجانبين لملاحقة عناصر المقاومة في مناطق
السلطة".
أسباب سياسية
وأضاف شهوان في حديث لـ"عربي21" أن
"السلطة الفلسطينية لم تول اهتماما كبيرا بملف العملاء، وقد اتهم العشرات من
المواطنين بالتخابر مع الاحتلال دون وجه حق، كما لم تأخذ هذه القضايا بعدا قانونيا
أو معالجة أمنية وإجتماعية كما قامت حكومة غزة بذلك، لذلك استغل القضاء الإسرائيلي
هذه الحجج لإدانة السلطة بتعذيب مواطنين واتهامهم دون وجه حق رغم أن أبعاد هذه
القضية سياسية وليست قضائية."
واتفق رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي،
محمد فرج الغول، مع شهوان قائلا لـ"عربي21" إن "أبعاد القرار
الإسرائيلي هي سياسية وليست قضائية، من منطلق أن إسرائيل هددت السلطة في وقت سابق
من العام الماضي بفتح هذا الملف، وهو ما يؤكد أن السلوك الإسرائيلي بإبتزاز
الفلسطينيين لم يتوقف في أي ظرف كان".