مقالات مختارة

استمرار الأونروا... وحقوق اللاجئين الفلسطينيين

1300x600

منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وانفلات المنطقة العربية باتجاه الانقسام والتفكك، وما صاحبه وأعقبه من التراجع المتسارع للنظام العربي، ثم سقوط الاتحاد السوفياتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة السياسة العالمية، وما تبع كل ذلك من حروب وصراعات في المنطقة، من ذلك الوقت اكتشفت إسرائيل أن الفرصة مواتية للاستكمال السياسي والقانوني لما نجحت فيه عام 1948 من اغتصاب للأراضي الفلسطينية. فباتت تعمل بكل إمكاناتها المحلية والإقليمية والصهيونية الدولية على تحقيق 5 أهداف في اقصر فترة زمنية ممكنة.

الأول: تفكيك وتحييد الدول العربية الكبيرة القريبة أو المجاورة لها، وهي مصر وسوريا والعراق.

والثاني: تهويد القدس وتدمير معالمها الدينية الإسلامية والمسيحية وطمس المعالم الحضارية والثقافية لفلسطين.

والثالث: مواصلة ابتلاع الأراضي الفلسطينية وتوسيع مساحات الاحتلال ومصادرة الأراضي وتحويل الفلسطينيين من شعب مقيم على أرضه إلى تجمعات سكانية هنا وهناك. والرابع: إنهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين وإخراجها من خصوصيتها لتصبح جزءا من مسألة اللاجئين الدولية. والخامس: إرغام الفلسطينيين على الاستسلام والقبول بأي حلول تفرضها إسرائيل.

أما الهدف الرابع وهو إنهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين في المحافل الدولية، فمنذ اكثر من 35 سنة وإسرائيل تحاول بدأب وإصرار أن تمسح العنوان الفلسطيني للاجئين الفلسطينيين" بأن تنهي منظمة الأونروا وتتخلص منها، باعتبارها المنظمة الدولية الوحيدة التي تم تخصيصها لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم، كما جاء في قرار إنشائها عام 1949. وبالتالي فهي شاهد قانوني ومؤسسي وسياسي حي وفاعل على حق الفلسطينيين بالعودة باعتبارهم لاجئين، ويتجدد هذا الشاهد سنة بعد سنة بقرار من الأمم المتحدة؛ وهي تضم السجل الرسمي المقبول دوليا لأعداد اللاجئين وتفاصيلهم، والأونروا ليس لها ميزانية محددة وثابتة تلتزم بها الأمم المتحدة، وإنما يتم تمويلها وتقديمها العون للاجئين من خلال المساعدات المالية والعينية التي تقدمها الدول المانحة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والأردن، وتعمل في خمس مناطق هي الضفة الغربية وغزة والأردن وسوريا ولبنان وتقدم خدماتها لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني.

 لقد جرت محاولات سابقة من طرف إسرائيل والقوى الدولية المؤيدة لها للتخلص من الأونروا بطرق مختلفة على النحو التالي:

 

1- كانت البداية تخفيض التمويل المقدم للأونروا من الدول المانحة، وهذا أدى إلى تقليص الخدمات التي تقدمها للاجئين لتصبح مقصورة على التعليم الأساسي والصحة والإعاشة.

 

2- عملت إسرائيل بطرق غير مباشرة على تشجيع الدول المانحة على التخلص من التزاماتها تجاه الأونروا بشتى الوسائل، بما فيها تشجيع إعلاميين وسياسيين في تلك الدول للدعوة إلى التوقف عن تخصيص أموال للأونروا بحجة انتهاء الحاجة لذلك.

 

3- محاولة تحديد فترة زمنية لبقاء هذه المنظمة وفي نهايتها ينتهي عمل الأونروا.

 

4- حاولت إسرائيل من خلال دول أخرى الضغط باتجاه إحالة الخدمات التي تقدمها الأونروا على شركات أو تحويل الأونروا إلى شركة، تتولى كافة الأمور المتعلقة بمواد الإعاشة والتعليم والصحة.

 

5- الدعوة إلى التزام الدول العربية بتمويل أعمال الأونروا، وهذا ما عاد ترامب ليردده من جديد، وذلك تمهيدا لإخراج الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من مسؤوليتهم إزاء المسألة الفلسطينية وإخراج إسرائيل من مسؤوليتها تجاه إخراج اللاجئين من ديارهم.

 

6- تسعى إسرائيل والقوى المؤيدة لها في المحافل الدولية باستمرار إلى الحاق اللاجئين الفلسطينيين "بالمفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين" في العالم UNHCR وإلغاء الأونروا، وبالتالي يصبح شأنهم شأن أي لاجئين في جميع أنحاء العالم.

 إن الهدف الدائم لإسرائيل يتمثل في "إزالة الصفة القانونية الدولية عن اللاجئين الفلسطينيين" و"إزالة فلسطينيتهم" حتى لا تتحمل أي مسؤولية باعتبارها الدولة المحتلة لفلسطين، خاصة وأن الأمم المتحدة والقانون الدولي أقر بحقهم في العودة إلى ديارهم (التي اغتصبتها إسرائيل)، وهو حق شخصي غير قابل للتفاوض؛ ولكن يقظة الأردن الدائمة باعتباره أكبر مضيف للاجئين الفلسطينيين، ورفضه لهذه المحاولات وكذلك يقظة الفلسطينيين والدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية ورفضهم لكل هذه التحركات أحبطت المحاولات الإسرائيلية. 

إن مجيء ترامب إلى البيت الأبيض وانحيازه الأعمى لإسرائيل واليهودية الصهيونية، شجع إسرائيل من جديد للضغط على أمريكا لإنهاء الأونروا؛ يبدأ ذلك بتقليص المنحة التي تقدمها للأونروا من (123) مليون دولار إلى 65 مليون دولار، ولا يستبعد أن يعلن الرئيس الأمريكي أو ممثلوه عن تخفيض مستمر في المساهمة الأمريكية لينتهي خلال 3 أو 5 سنوات. وهنا يتوجب على الجانب الفلسطيني والعربي والجامعة العربية ومنظمات حقوق الإنسان أن يكون الجميع متنبها للمحاولات الإسرائيلية، والقنوات والدهاليز الدولية التي تحرك الموضوع من خلالها، وان يعمل الجميع وفق خطة متماسكة في الاطار التالي:

أولا: رفض أي تغيير في الوضع القانوني أو المؤسسي أو الوظيفي للأونروا، واعتبار أن مهمتها لا تنتهي إلا بانتهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية بعودتهم إلى ديارهم أو تعويض من لا يرغب بذلك.

ثانيا: التواصل الدبلوماسي والبرلماني والشعبي مع دول العالم لاستمرار دعم الدول للأونروا باعتبار هذا الدعم جزءا من المسؤولية القانونية والإنسانية للمجتمع الدولي.

ثالثا: التواصل مع منظمات المجتمع المدني الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان لتعزيز الأساس القانوني والإنساني لاستمرار الأونروا في خدماتها ودورها دون انتقاص باعتبار أن الحقوق لا تسقط بالتقادم. رابعا: تنبيه دول العالم والمنظمات الدولية إلى الأخطار الإنسانية والسياسية المترتبة على تخفيض خدمات الأونروا، باعتبار ذلك سيكون مدعاة إلى مزيد من عدم الاستقرار والتطرف في المنطقة.

وأخيرا، فإن الرئيس الأمريكي ترامب، بشخصيته ونزعته المتهورة، وبانحيازه الأعمى لإسرائيل، على أسس دينية بسبب ابنته وأحفاده، وبسبب مصالحه في الأعمال والشركات والإعلام، مستعد للتجاوب مع الضغوط الإسرائيلية والصهيونية ولو كانت عكس القانون الدولي والإنساني وضد ما يراه حلفاؤه وعكس المصالح الأمريكية. إن الأونروا يجب أن تبقى بكامل فعاليتها فهي ركن من أركان المسألة الفلسطينية ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين.

الدستور الأردنية

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع