لقد أعاد الجدل الذي حصل مؤخرا حول قيام احدى شركات الأدوية الأمريكية المغمورة برفع سعر أحد الأدوية التي تستعمل لعلاج سرطان الدماغ بنسبة 1400 % ليصل ثمن حبة الدواء الواحدة إلى 700 دولار، رغم أن هذا الدواء يستعمل منذ سنوات عديدة، موضوع أسعار الأدوية إلى الواجهة.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حوادث عدة من أشهرها ما قامت به شركة أمريكية أخرى قبل سنوات، عندما قامت بشراء حق إنتاج أحد الأدوية المهمة والمستخدمة في علاج مرض نقص المناعة المكتسبة، ومن ثم قامت برفع سعره عدة أضعاف، ما تسبب في ردة فعل عنيفة من قبل الرأي العام.
لم أجد تجسيدا أبلغ لشخصية المرابي "شايلوك" في المسرحية الشيكسبيرية الشهيرة تاجر البندقية من احتكار بعض شركات الأدوية وتحكمها بالأسعار، واختطافها آلام الناس، فما الفرق بين أن يجد المريض نفسه عاجزا عن دفع ثمن حبة الدواء وأن تقتطع جزءا من جسده.
لقد أصبحت كلفة الأدوية تشكل العبء الأكبر في كلفة علاج الكثير من الأمراض وخاصة المزمنة منها مثل السرطان، حيث تستحوذ فاتورة الأدوية على أكثر من نصف كلفة العلاج، وأصبحت الهوة بين الفقراء والأغنياء في ازدياد نتيجة عجز الفقراء ودولهم عن توفير الدواء لهم.
يكمن السبب الرئيسي في ارتفاع كلفة هذه الأدوية في غياب المنافسة، حيث يعتقد أن هنالك اتفاقا ضمنيا بين الشركات الكبرى على عدم المنافسة كي تستطيع الحفاظ على اسعارها الفلكية، كما توفر لها قوانين حماية الملكية الفكرية وحقوق براءة الاختراع الظالمة طمأنينة ضد المنافسين، متمترسين خلف أساطير تمّ كشف زيفها مثل الكلفة العالية للأبحاث، واستخدام الفائض في اكتشاف أدوية جديدة أكثر فاعلية.
أسعار الأدوية في تصاعد وكلفة العلاج فاقت كل التقديرات، وما لم تتضافر الجهود الدولية في مواجهتها سنجد أنفسنا قريبا عاجزين عن علاج الكثير من الأمراض، وأسرى لدى "شايلوك العصر" فالدول الصغيرة لا تملك بين أيديها أوراقا للضغط على شركات الأدوية بحكم ضعف تأثيرها في حركة السوق العالمية، وتبقى أوراق اللعب جميعها بين أيدي الدول الكبرى ذات القوة الشرائية الكبيرة؛ فهي التي تضبط إيقاع السوق وترسم حدود الملعب، لكن التحالف غير المقدس بين رجال السياسة والأعمال، ما يزال يجهض أي تحرك من قبل الرأي العام للجم جنون الأسعار.
لقد جُسِّدت شخصية المرابي "شايلوك" في الوجدان العالمي في كل من يستغل حاجة الناس، للوصول للإثراء غير المشروع. ولا أظن أن هنالك جشعا أكبر من ذلك الذي نشهده الآن في حرمان الناس من حقهم في العلاج. لا شك أن الابتكارات المهمة التي شهدها قطاع الأدوية في السنوات الأخيرة قد غيرت وجه الكثير من الأمراض، لكن ذلك لا يمنع من إطلاق صرخة لتصحيح مسار هذا القطاع على قاعدة "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم".
الغد الأردنية