الحراك الكبير الذي أحدثه وعد "ترامب" المشؤوم في العالم الإسلامي
بادرة خير وبداية فعلية لعمل كبير، يهدف إلى إعادة البوصلة باتجاه القضية المركزية
للمسلمين والعرب، وحتى المسيحيين، هؤلاء تحركوا في وقت واحد وبكلمة واحدة ترفض قرار
الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الصهيوني، ولأول مرة يتكلم المقاوم الذي يحمل السلاح
في وجه الصهاينة، و"المفاوض" الذي راهن على مسار السلام، بلغة واحدة، والمرة
الأولى الذي يتحد العالم أجمع شعوبا وحكومات ومؤسسات المجتمع المدني على موقف واحد،
هو رفض القرار الأمريكي، ووصفه بالمتهور والخطير.
لكن هل يستمر هذا الحراك العالمي؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ثورة مؤقتة
"تستفرغ" الغضب الكامن في العالم الإسلامي، ثم يعود الجميع إلى حالة الرضا
والاستكانة، وهو ما توقع الرئيس الأمريكي ترامب الذي أشار إلى أن قراره سيثير بعض الاحتجاجات
هنا وهناك، وهل يستمر الفلسطينيون في انتفاضتهم التي فجرها غداة القرار، أم أن الأوضاع
ستهدأ كما كان يحدث في كل مرة.
الحقيقة المرة التي يجب أن تقال أن العرب والمسلمين يتقاتلون فيما بينهم
على مرمى حجر من الكيان الصهيوني، والحقيقة الأكثر مرارة أن العرب يتقاذفون بالصواريخ
والطائرات عندما تكون المعركة بينهم، ويحدث ذلك في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، لكنهم
عندما تعلّق الأمر بالكيان الصهيوني فإن السلاح المستخدم هو "الهاشتاغات"
و"المناشير" و"التغريدات".
والغريب أن ألسنة الكثير من العرب والمسلمين لا زالت تلهج بـ"الخطاب
الطائفي" وتدفع باتجاه تعميق الفتن والحروب في البلدان العربية خدمة لإسرائيل
وحفظا لأمنها، وتلك مأساة لم يسبق للعالم الإسلامي أن عاشها حتى في أحلك الظروف، والمفارقة
أن فرسان الفتنة الطائفية من الذين كانوا يملأون الساحة صراخا وعويلا من أشباه الدعاة
والعلماء الذين بادروا بإطلاق الصواريخ على الحدود عندما كان الأمر يتعلق بفتنة طائفية
وحرب عربية عربية، بينما لاذوا بالصمت ودخلوا في حالة متقدمة من "التسبيح المفرط"
على مواقع التواصل الاجتماعي، متجاهلين تماما قرار "ترامب" بالاعتراف بالقدس
عاصمة للكيان الصهيوني!
هي فرصة من ذهب أمام كل من يحمل القضية الفلسطينية في قلبه، للمساهمة
في إجبار الرّئيس الأمريكي على التراجع عن قراره، وإذا لم يتحقق ذلك فلن تقوم للمسلمين
قائمة بعد اليوم، خاصة إذا تأكد للعالم أن العرب والمسلمين ليسوا قادرين على فعل شيء
سوى إطلاق "الهاشتاغات"!
الشروق الجزائرية