تسود حالة من الإحباط والغضب عموم الشارع الغزي بعد انتظار طويل لحلول الموعد المحدد لفتح معبر رفح وهو اليوم الأربعاء دون أن يفتح، كما اتفق عليه في جلسات المصالحة الأخيرة، إلى جانب شيوع شعور عام بالضيق من تلكؤ رئيس السلطة محمود عباس في اتخاذ ما يلزم لرفع إجراءاته العقابية التي فرضها على القطاع واشترط لها حل حركة حماس للجنتها الإدارية.
فلا يزال معبر رفح المصري مغلقا أمام الغزيين ممن طالتهم الآمال العريضة بفتحه بعد انفراجات المصالحة التي وقعت بالقاهرة، وكذا وعود الحكومة الفلسطينية بتشغيله اليوم الأربعاء، كما كان مقررا في الخامس عشر من الشهر الجاري.
واستمع الغزيون خلال الأشهر والأسابيع الماضية لسيل من التصريحات التي تدعو للتفاؤل خاصة في ما يتعلق بمعبر رفح البري، وكانت أقوى التصريحات التي أثارت تفاؤلهم تأكيدات وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ أن "المعبر سيعود للعمل ابتداءً من تاريخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، وبتنسيق كامل مع السلطات المصرية".
وكان نظمي مهنا مدير دائرة المعابر في الحكومة، قال في تصريحات صحفية إن المعبر سيعمل بشكل طبيعي في الخامس عشر من نوفمبر، بعد تسلمه بشكل رسمي من اللجنة الإدارية التي جرى حلها في غزة.
ووعد رئيس الوزراء رامي الحمدالله في تصريحات صدرت عنه، بفتح المعبر وتشغيله بعد تسلمه.
وكان عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قد وعد بفتح المعبر على مدار الساعة في حال تم تسليمه للحكومة.
ومع انطلاق قطار المصالحة الفلسطينية، توقع الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، تخفيفا تدريجيا لمعاناته الإنسانية المتفاقمة، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة؛ لأن الأمر وفق مختصين، مرتبط برئيس السلطة الفلسطينية الذي بيده القرار، والذي تبدو حساباته على ما يبدو مختلفة عن حسابات الكل الفلسطيني.
معاناة متفاقمة
وعلق رئيس السلطة محمود عباس سابقا، قراره برفع الإجراءات العقابية التي فرضها ضد قطاع غزة، بحل اللجنة الإدارية من قبل حركة "حماس"، وهو ما تم قبل أكثر من 60 يوما، وتلاه توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين حركتي "حماس" و"فتح"، لكن الواقع لم يتغير، رغم تسلم حكومة الوفاق لكافة المعابر والوزارات والهيئات الحكومية، ولربما تفاقمت المعاناة في العديد من الجوانب الإنسانية.
واشترط عباس في خطاب له بذكرى رحيل الرئيس ياسر عرفات الـ13 السبت الماضي، تحفيف معاناة قطاع غزة المحاصر بـ"تمكين" الحكومة الفلسطينية.
اقرأ أيضا: الشؤون المدنية: طواقمنا مستعدة لفتح معبر رفح الأربعاء القادم
وما زال قطاع غزة يعاني العديد من المشاكل منها: توقف إعادة الإعمار، أزمة الكهرباء، نقص الأدوية، خصم رواتب الموظفين وإغلاق المعابر وخاصة معبر رفح البري الذي كان من المفترض وفق تصريحات الرئاسة الفلسطينية أن يتم فتحه اليوم بشكل دائم، إضافة لإحالة آلاف الموظفين للتقاعد المبكر وعدم دفع رواتب موظفي عزة.
فتح تبرر وتشترط
وحول تقييم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، لأداء حكومة الوفاق الفلسطينية في قطاع غزة، عقب تسلمها الهيئات الحكومية والوزارات والمعابر، قال القيادي في "فتح"، وعضو هيئتها القيادية بغزة، يزيد الحويحي: "حتى هذه اللحظة لم يتم تمكين الحكومة من ممارسة عملها في قطاع غزة".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "حينما تتمكن الحكومة سنمارس عليها الضغط بكل ما أوتينا من قوة، من أجل تحسين ظروف الحياة المعيشية في القطاع"، مضيفا: "لا نستطيع الآن أن نتقاتل على جلد الدب قبل أن نصطاده"، وفق وصفه.
وأوضح الحويحي، أن "الحكومة تواجه الكثير من العقبات التي يتم تذليلها في النهاية"، منوها أن القضايا والمشاكل المختلفة التي يعاني منها قطاع غزة، "يجب أن يتم إيجاد حل لها أفضل من ردات الفعل التي تحدث".
ولفت القيادي في "فتح"، إلى أن "هناك سقفا زمنيا ضمن اتفاق المصالحة، بأنه حتى 1 شباط/ فبراير 2018، ستتمكن الحكومة من بسط قرارها على كافة الهيئات والدوائر والمؤسسات الحكومية، وهي الآن تتجه نحو التمكين"، معتبرا أن مع حدث من تسليم للمعابر "يعبر عن صدق نوايا من طرف حركة حماس".
وحول الإجراءات العقابية التي اتخذها رئيس السلطة ضد قطاع غزة، أشار أن "هناك خطة لحل مشكلة الكهرباء خلال نهاية عام 2018، حتى تصل مدة 24 ساعة"، علما بأن رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم، أوضح أن عودة الكهرباء بشكل كامل إلى غزة ستستغرق سنوات.
وكشف الحويحي، أن لديه "تطمينات" بشأن قرار خصم ما نسبته 30 بالمئة من رواتب الموظفين، وقال: "هي موجودة في حصالة الرئيس عباس، وبقرار منه ستعود في أي لحظة"، مضيفا: "وأما بخصوص قرار التقاعد المبكر والتي كثر فيها الحديث، فصاحب القرار فيها هو الرئيس".
اقرا أيضا: هل يفجّر الخلاف حول الملف الأمني المصالحة الفلسطينية؟
بدوره، أوضح القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هاني الثوابتة، أنه "رغم أن عملية تسليم المعابر والدوائر الحكومية المختلفة من قبل حركة حماس مرت بشكل سلس، لكننا لم نلمس تطورا في أداء الحكومة تجاه العديد من القضايا الحياتية في غزة، إضافة لمجموعة الإجراءات (العقابية) التي اتخذت بحق قطاع غزة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك حالة من التباطؤ في تعامل الحكومة مع غزة، مما يجعل الجميع يشعر بحالة من الشك في استمرار المصالحة"، مطالبا الكل الفلسطيني بما فيه اللجنة المركزية لحركة "فتح"، بـ"العمل على تحصين المصالحة".
حسابات عباس
وأوضح الثوابتة، أن "بقاء الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق قطاع غزة، تزيد من معاناة شعبنا، الذي يعاني من وضع اقتصادي وإنساني سيئ لأبعد الحدود، وهو ما يتسبب بتأخير المصالحة"، لافتا أن "الحكومة لا تملك من أمرها شيء، وكل ما يتعلق بقطاع غزة بيد أبو مازن (عباس)".
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أوضح أن "المواطن الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، لم يشعر أن قطار المصالحة الذي انطلق منذ نحو شهرين قد حقق شيئا ملموسا على أرض الواقع".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك مجموعة من القضايا الإنسانية الحساسة منها؛ انقطاع الكهرباء ونقص العلاج وإغلاق معبر رفح البري، وغير ذلك من القضايا التي تهم المواطن، الذي ظن أنه بانطلاق المصالحة ستحل مشاكله؛ وهي التي لا تحتاج إلى تكلفة مالية ولا إلى إذن من أمريكا وإسرائيل".
وأضاف الصواف: "حتى الآن شهران على حل اللجنة الإدارية والتي وعد بعد حلها بساعات، أن ترفع العقوبات عن غزة، لكن المفاجأة أن شيئا لم يتغير"، مشددا على ضرورة أن "تقوم القوى والفصائل الفلسطينية بمعالجة هذا الأمر في لقاء القاهرة المقبل".
اقرأ أيضا : الحمد الله يربط عمل معابر غزة بحل الملف الأمني
ورأى أن "حماس أعطت كل ما لديها، ووعدت أن تعطي المزيد حتى تمضي المصالحة الداخلية قدما للأمام؛ حفاظا على المشروع الوطني الفلسطيني، ولكن على ما يبدو أن حسابات عباس تختلف عن حسابات الكل الوطني الفلسطيني".
الحكومة أداة بيد عباس
وبشأن قيام حكومة الوفاق الفلسطينية بواجباتها تجاه قطاع غزة، بعد توليها كافة الإدارات والوزارات والمعابر، أكد الكاتب أن "الواجبات يعلمها جيدا رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدلله، لكنه لا يملك قرارا لتنفيذها"، متفقا مع من سبقه في أن "القرار بيد عباس، وهو المتحكم في كل هذه الأمور".
وتابع الصواف: "الواقع محزن، ويضع علامات استفهام أمام نوايا عباس في تحقيق المصالحة"، منوها أن "عباس ربما يعمل على استغلال الوقت طمعا في شيء آخر غير المصالحة، التي ربما لا يرغبها وجاء إليها مكرها"، وفق تقديره.
من جانبه، ذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، ناجي شراب، أنه "حتى هذه اللحظة؛ من السابق لأوانه أن نقول إن الحكومة الفلسطينية، قدمت الأدوار والوظائف المتعارف عليها في قطاع غزة".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "الحكومة الفلسطينية هي حكومة الرئيس عباس، وهي ليست لديها قرارات نافذة مباشرة"، مؤكدا أن "القرارات التي اتخذت بحق غزة في ما يتعلق بالموظفين والكهرباء والخدمات المختلفة، لا تملك الحكومة وقفها؛ لأن الأمر متعلق بالرئاسة".
وأضاف: "وعليه باتت مسألة تقديم الخدمات مرتبطة بالخطوات المتعلقة بعملية المصالحة السياسية؛ والتي تعني التمكين السياسي للحكومة وحل ملف الموظفين والأمن، وهذا خطأ ومنهج غير سليم".
وقال شراب: "هذا يفسر لنا عدم تسريع الحكومة في تقديم الخدمات للمواطنين، إضافة لوجود فجوة من عدم الثقة بين الطرفين، ليس من السهل تجاوزها في فترة زمنية قصيرة"، موضحا أنه "لا يجوز ربط الخدمات التي يحتاجها المواطن، بالتقدم في ملفات قد تحتاج لوقت طويل جدا".
هل يفجّر الخلاف حول الملف الأمني المصالحة الفلسطينية؟
تسلم السلطة لإيرادات غزة.. ما الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة؟
كيف ستساهم اتفاقية 2005 بمرور الأفراد عبر معبر رفح؟