صورتان متشابهتان في سوريا اليوم، صورة من زعيم العصابة الطائفية بشار
الأسد الذي يسعى منذ سنوات لتحقيق ما وصفه بـ«التجانس المجتمعي»، الذي تحقق له بقتل
مليون سوري، واعتقال وجرح وتشريد أكثر من 12 مليونا آخرين، وسط جلب مليشيات طائفية
من العراق وإيران ولبنان وأفغانستان وباكستان؛ ليحلّوا محل الشهداء والمختطفين والمشردين.
ينضاف إليه ما نشرته أخيرا «الإيكونوميست» البريطانية بأن «الطائفية»
تستعد لمسح مدن مثل داريا بالبلدوزر، وتشييد بنايات ناطحة للسحاب وفنادق ومطاعم، وهو
ما سيحرم أهالي تلك المناطق من العودة إلى بيوتهم وقراهم ومزارعهم. ولكن التساؤل الآن:
من المستعد للاستثمار في هذه المشاريع الضخمة من القطاع الخاص الذي لم يستجب حتى الآن
لدعوة أسد في ظل إحجام الاستثمارات الأجنبية عن الأمر؟! وحتى لو تم إقامة مثل هذه البنايات،
من الذي سيسكن فيها مع هروب الناس وخشيتهم من العودة إلى مناطقهم؟! هذا إذا سمحت لهم
عصابة «اسمعوا من هالدقن»!
استيلاء نظام بشار على أراضي المشردين والشهداء والمعتقلين، يتم على قدم
وساق، ويتم تسليم هذه المناطق إلى المؤيدين لبشار، وهو الأمر الذي سيجعل الوضع القانوني
والاجتماعي في البلد معقدا بالسنوات المقبلة.
في موازاة هذا الفعل الشنيع، استنسخت العصابات الكردية في الشمال السوري
الاستراتيجية نفسها، فقامت بالسيطرة على أراض للعرب في الرقة ومنبج ومن قبلهما في مناطق
أخرى، وسعت إلى منع الأهالي من العودة إلى بيوتها في الرقة، الأمر الذي دفع الأهالي
إلى التظاهر ضد منعهم من العودة إلى بيوتهم، وكذلك ضد مناهج «التكريد» الذي تقوم به
في المناطق العربية، إن كان بتغيير أسماء القرى والبلدات العربية، أو بفرض المنهج الكردي
عليها. وبالتأكيد، فإن الأكراد مستقوون تماما بالموقف الأمريكي الداعم لها تماما، وأحيانا
بالموقف الروسي.
في منبج، خرجت مظاهرات في المدينة بعد أن سعت المليشيات الكردية إلى تشجيع
الناس بالانتقال منها للسكن في الطبقة مقابل مبالغ مالية مغرية، وكذلك احتج الأهالي
على سياسة الاستيلاء على أملاكهم كما يفعل تماما بشار الأسد في المناطق المحتلة، وتحولت
المظاهرات إلى عصيان مدني واعتصامات احتجاجا على الإصرار المليشياوي الكردي على تجنيد
الشباب للقتال في صفوف المليشيات الكردية، وإن كانت سعت إلى التراجع مؤخرا عن الأمر.
وهو الأمر الذي يؤكد مجددا للأمريكيين الذين يحمون ويدافعون ويدعمونها أنها مليشيات
مهدِّدة للسلم الأهلي، ولا يمكن أن تحكم البلد ما دامت تحكم بعقلية بشار الأسد الإقصائية،
خصوصا مع الآلاف من المعتقلين والمختطفين لديها؛ مما دفع الناشطين إلى إطلاق هاشتاج
#أنقذوا_معتقلينا_من_سجون_PYD.
هذا الواقع لعله دفع الأمريكان إلى تعديل موقفهم الأخير يوم طلبوا من
الجيش الحر -وتحديدا قوات أحمد العبدو وأسود الشرقية- باستباق قوات النظام في الدخول
إلى مدينة البوكمال والسيطرة عليها من تنظيم الدولة قبل أن يسيطر عليها النظام السوري،
وهو يعكس مدى التفهم الأمريكي لعجز المليشيات الكردية حليفهم الأساسي في القدرة على
ضبط المنطقة اجتماعيا، خصوصا وأن الأمريكان يهمهم الاستقرار النسبي في تلك المنطقة،
أملا في استغلال النفط والغاز التي تزخر به، والذي يسيل لعابهم لاستخراجه وبيعه.
كثير من الصور تختفي من ذاكرة الإنسان، لكن أكثر صورة بقاء على سطح مكتب
عقله -كما يقول الخبراء الاجتماعيون- هي صورة أرضه وبيته وأملاكه وعقاراته، لا يمكن
أن ينساها، فستظل في ذاكرته، ويتذكر معها من اغتصبها وسرقها منه. ذاك ما سيحصل، لكن
ليس مع صاحب الأملاك المباشرة، وإنما مع ورثته من بعده.
العرب القطرية