مقالات مختارة

سياسة خارجية برأسين

1300x600
بدأت الخلافات بين الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون بخصوص الكثير من الملفات المهمة تطفو إلى السطح، ولا يُعرف بعد فيما إذا كانت هذه الخلافات هي خلافات آنية وعابرة، أم أنها ستعصف بعلاقة الصديقين، ما يدفع تيلرسون إلى الاستقالة.

عندما اندلعت الأزمة الخليجية الأخيرة بفرض حصار على قطر، حاول ريكس تيلرسون أن يكون متوازنًا في مساعيه وطالب تخفيف حدة الحصار ودعم الوساطة الكويتية لإيجاد تسوية مقبولة للأزمة تحفظ كرامة جميع الأطراف، غير أن تعنت دول الحصار لم يأت إلا عندما شعرت هذه الدول أن الرئيس ترامب متفهم لمطالبها. والحق أن ريكس تيلرسون كان سينجح في حل الأزمة لو لقي الدعم الكافي من الرئيس ترامب، غير أن واقع الحال يشير إلى أن دول الحصار استشعرت وجود خلاف بين الرئيس ووزير خارجيته، الأمر الذي قلل من قدرة تيلرسون على ممارسة الضغوط المطلوبة واللازمة في مثل هذه الحالة.

ولم يقتصر الخلاف بين الصديقين على الأزمة الخليجية، بل هناك ما يشير إلى أن الرئيس ترامب كان وبشكل ممنهج يقوض محاولات تيلرسون التوصل إلى تفاهم مع كوريا الشمالية لتجنب سيناريوهات كارثية في شبه الجزيرة الكورية، فتغريدات ترامب التي تسخر من جهد تيلرسون بعثت برسالة إلى الجميع بأن الولايات المتحدة تنتهج سياسة خارجية متناقضة، الأمر الذي أضعف قدرة واشنطن على صنع الفارق.

وحتى الاتفاق النووي مع إيران هو محور خلاف بين الرجلين، ففي وقت يتفهم تيلرسون الاتفاق نجد أن ترامب ينتقده علنا ويدق طبول الحرب ضد إيران. وكأن ذلك لا يكفي، فينبري الرئيس ترامب في التصدي اللفظي لإيران في وقت تتحالف فيه واشنطن مع طهران في العراق (تحالف الأمر الواقع) ولا تحرك ساكنا لما تقوم به إيران من سياسات خطرة في سوريا. الراهن أن ترامب باع بعض الأنظمة العربية الوهم، فصدقت هذه الدول بأن ترامب سيخوض معركتها مع إيران واكتفت هي بفرض معركة حصار على قطر!

ليس واضحا بعد كيف لواشنطن أن تواجه إيران في وقت أزكت فيه الخلافات الخليجية وأسهمت في إيصالها إلى نقطة حرجة، لكن الأدهى أن سياسة واشنطن الخارجية ليست موحدة كما هو مفترض، بل يقودها رأسان يختلفان في أغلب الملفات، وأستغرب إن استمر ريكس تيلرسون في منصبه لنهاية فترة ترامب الأولى، لأنه سيفشل في مهمته وربما يقدم كبش فداء في مرحلة ما.

في الأخبار أن تيلرسون يفكر جديا في تقديم استقالته، وتفيد بعض التقارير الأمريكية بأنه وصف الرئيس ترامب بـ"الأبله" ما يعني بلوغ السيل الزبى، ورغم نفي البيت الأبيض لهذه التقارير، فإنه لا دخان من غير نار كما يقال، فالخلافات موثقة وقد ظهرت للسطح ولا يمكن لنا أن نتصور أن يقبل تيلرسون بالاستمرار إلا إذا تنازل طرف لصالح طرف آخر.

بعد مرور تسعة أشهر على رئاسة ترامب، يمكن القول وبنوع من الثقة إنه فشل لغاية الآن في إيجاد فريق عمل متجانس، وإذا استمر بهذه العقلية في الحكم فربما يجد نفسه في نهاية المطاف معزولا ومن دون تأييد كبار الساسة في بلده، ومن دون شك فإن استقالة تيلرسون في حال تقديمها ستشكل ضربة موجعة لترامب وستبرهن للجميع بأن ترامب هو شخص لا يمكن العمل معه.

وقطعا ستلقي هذه الخلافات بظلالها في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري في أجواء من الانقسامات في معسكر ترامب، والأسوأ بالنسبة إلى ترامب ومعاونيه هو تبلور انطباعات قوية في الولايات المتحدة بأن الرئيس غير مؤهل بشكل كاف لإدارة أقوى بلد في العالم.

الشرق القطرية
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع