ميراث الأنثى نصف ميراث الرجل في حالات أربعة .. هل هذه هي كلمة الإسلام الأخيرة؟!
الإجابة لا .. هذه هي قراءة القدماء لآيات الميراث، ثمة اجتهادات أخرى لمتخصصين في علم المواريث، ولمجتهدين في قراءة النص الديني، ثمة تأويلات، ثمة تخريجات من داخل المنظومة الأصولية نفسها تستند إلى حق الوصية لإنصاف الأنثى، ثمة حلول، لكنها لا تجد من يتبناها، لا تجد من يتحمس لها، لا تجد من يقتنع بها، لا تطبق، إلا في النادر، حالات شخصية، فردية، لا تغني ولا تسمن من إضطهاد وتمييز، وظلم بين، فما العمل؟
الإجابة في تونس: أن تتدخل الدولة وتفرض الحل التقدمي بقوة القانون، ويفوز السبسي في الانتخابات القادمة بكتلة تصويتية نسائية معتبرة، فهو ذكر القبيلة الذي انتزع لنسائها حقوقهن بحد السيف!
لا أتصور أن هذا يمثل حلا، على العكس، تدخل الدولة بهذا الشكل يعمق المشكلة ويزيدها توترا، ويزيد كراهية المجتمع العربي "المحافظ بطبعه"، وبميراثه التاريخي لأفكار الحداثة وإعادة قراءة النص وفقا للزمان والمكان، ويزيده تشبثا بما يتصور أنه يشكل عناصر هويته!!
الاستبداد وفرض الوصاية يهيئان للسلفية المعاصرة مساحة أكبر لانتشار أفكارهم تحت مظلة النضال ضد الدولة العلمانية المستبدة!!، تجربتنا التاريخية مع تدخل الدولة لفرض أفكار عقلانية تقول ذلك، تجربة المعتزلة، الاتجاه العقلاني الوحيد في تراثنا، والذي لو قدر له الانتصار التاريخي لصرنا إلى غير ما صرنا إليه من وضاعة ونطاعة وانحطاط، ما حدث هو ما يحدث الآن مع الفارق النوعي بين المعتصم والسبسي وبين ابن حنبل وأبناء آل سعود، محنة خلق القرآن صنعت من رجل إمكاناته محدودة إمام مذهب، وهو الذي لا يعده كثير من القدماء والمحدثين فقيها أصلا!، وكما استخدم العباسيون المعتزلة بالأمس، يستخدم السبسي الحداثيين اليوم، تربح الدولة ويخسر المجتمع ..
لا يعني ذلك أنني لا أقدر شجاعة ابن حنبل، ولا أنني أنحاز – في المجمل - لفكرة خلق القرآن، إنما يعني بوضوح أن "الأفكار"، و"القناعات" لا تفرض على الناس بقوة الدولة، إنما بتعليم محترم، ومناخ ثقافي حر، ومساحة أكبر للتعبير، بالتنوع والتسامح والنضال والصبر، بمراكز الأبحاث، والصحف والمجلات والميديا المسموعة والمرئية بخطب الجمعة "الواعية" لا بخطب السبسي التي يزايد بها على حزب النهضة!!
أتفهم جيد احتفاء كثير من مثقفينا – خاصة في مصر – بالقرارات التونسية الأخيرة، أتفهم منطق الانحياز لـ "أي" إجراء ينصف المرأة ولو كان اجراء استبداديا في مواجهة استبداد أصحاب الرواية الشائعة التي لا يرون فيها إلا الدين معرفا بالألف واللام وما سواء كفر وإلحاد وتجديف ولا حق له في الوجود والحياة، ولكن .. لا ينبغي أن يجرنا استبداد التراثيين إلى الاحتفاء باستبداد مساو له في المقدار لمجرد أنه مضاد له في الاتجاه، سواء في ميراث الأنثى أو في تعدد الزوجات!
ستحصل المرأة العربية على هذه الحقوق، يوما، حين تنتصر أفكارنا على أفكار ذكور القبيلة في "عقول" الناس، بقوة الحجة والمنطق، وفي "قلوبهم"، بقوة الفنون والآداب، بالرواية والشعر والسينما والمسرح، بالفكر الديني الحر، هنا سيصبح حق المرأة في أن تكون إنسانا كاملا تطورا طبيعيا لأفكار المجتمع، وحراكه التاريخي، لا فرضا استبداديا فوقيا وجزء من معادلة سياسية وانتخابية رخيصة ..
ما أسهل الالتفاف على القوانين، ما أسهل أن يعاند كثير من الآباء ويوصون بثلث التركة، وربما أكثر، لذكورهم ليحققوا ما يظنونه دينا، ما أسهل أن يتزوج الرجل بواحدة ويواعد عشرة، لا ثلاثة أخريات، فلا قانون في تونس، ولا في غيرها، يحظر ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، فماذا ستفعل الزوجة الواحدة وقتئذ؟ وماذا سيفعل لها تدخل الدولة؟ وماذا سيفعل لها القانون؟ وماذا سيفعل لها البرلمان؟ وماذا سيفعل لها السبسي بعد أن يكون قد حصل على صوتها الانتخابي وانتهى الأمر؟
وأخيرا .. ما الفارق بين فرض قوانين تنتصر لوجهة نظر حداثية بقوة الدولة وبين فرض قوانين تلزم المرأة نمطا دينيا محافظا بقوة الدولة والقانون والدستور والصناديق؟! ما الفارق بين ما يريده أكثر الإسلاميين تشددا وانتهازية والتفافا على قيم الديموقراطية وبين ما يفعل السبسي الآن ويهلل له كثير من مثقفينا؟ ما الفارق بين فقيه الإنسان وفقيه الطغيان إذا كان كلاهما يتدثر بعباءة السلطان؟