الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد يستمد شرعيته السياسية من برلمان أسقطه كمرشح رئاسة في عام 2012 ثم قام بتأييد فوزه كمرشح في هذا العام.
البرلمان هو ذاته ومرشح الرئاسة الخاسر والفائز هو ذاته ونواب البرلمان هم ذاتهم والعملية السياسية وأعرافها هي ذاتها.
أما ما هو متغير فهو المناخ السياسي في بعض تجلياته أكان في انتخاب عام 2012 أو نظيره لعام 2017، السلوك السياسي هو ذاته مصحوب بالفساد السياسي والمالي المعهود، ممارسة التآمر وتصفية الحسابات والتهديد.
في النموذج الأول تهديدات الرئيس شريف الشيخ أحمد بينما تجسد النموذج الثاني عبر غطرسة الرئيس حسن شيخ محمود، كلاهما استخدما صفتهم الرسمية لتأثير على نتائج تلك الانتخابات وفي ظل تبني المجتمع الدولي للعملية السياسية الهشة في الصومال.
ورغم كم المكائد الذي يسبق ممارسته عادة من الرئيس الساري ولايته قبل الانتخاب تجاه المرشحين الرئاسيين، إلا أن الخبث والمجاملات بين المرشحين وصولا إلى الرئيس المنتهية ولاياته والآخر الفائز ينتهي بتأكيد على اللحمة الوطنية والعمل معا والاصطفاف لأخذ الصور التذكارية معا بغية إبراز التمتع بالروح الديمقراطية المتسامحة والواعية والحريصة على مصلحة الصومال.
العملية الديمقراطية خلال فترة الولاية الرئاسية والانتخابات تفرغ من محتواها ومن ما تتطلبه من استحقاقات ثم تختزل في شكليات لا تستطيع أن تتماهى مع أعراف البرتوكول المراد بها تقليدا!
والشعب المغلوب على أمره والمغيب ينتهي أسير نشوته مع هذه الشكليات، لكي يتجاوز بدوره أوجاعه مع ميراث ظاهرة الصوملة التي أصبحت كابوسا يورقه ولا فكاك منه.
وفي خضم الإرث العام الذي مر عليه سرد ما تقدم هناك المال السياسي والذي ساهم في فوز كلا الرئاسيين المذكورين وهو المال الذي جلبه البعض من خارج الصومال لتوزيعه على البرلمانيين بغية ترجيح مرشح على الآخرين.
بهذا الأسلوب وصل كل من الرئيس حسن شيخ محمود ونظيره محمد عبد الله محمد إلى منصب الرئاسة الشكلية في البلد.
وفي خضم المشاركين في الحشد السياسي المشار يأتي دور رجال الدين وتحديدا جماعة الدم الجديد والمنشقة من حركة الإصلاح والتي تمثل بالجماعة السياسية لرئيس السابق وذات بعض الدعم لرئيس الحالي.
وما يستدعي القول إن هذه الجماعة والتي تردد أنها حارسة لدين في الصومال لم تقم بثني مرشحها لرئاسة في عام 2012 عن ممارسة دفع الرشاوى لنواب البرلمان وبعض رجال الأجهزة التنفيذية المتنفذة في العاصمة مقديشو، أو في حثه على عدم ممارسة التهديد تجاه المرشحين الآخرين ومضايقتهم سياسيا وأمنيا.
ناهيك عن الكثير من النواب كانوا قد قتلوا خلال الفترة الرئاسية 2012-2017 وتتحمل مسؤوليته الحكومة في ظل ضعف أدائها السياسي والأمني.
في حين يقابل ذلك حركة نشطة من قبل الجماعة تجاه الحشد لمرشحها الرئاسي وتسخير عامل الدين في هذه العملية السياسية، والسعي للبسط لدوره عند فوزه، هكذا كان سلوكها في عامي 2012 و2017 الذي شهد خسارة رئيس عملت معه لسنوات أربع مضت.
ويتصدر جماعة الدم الجديد الشيخ نور بارود جورحن والمعروف عنه الانفعال والتطرف في القول.
وفجأة أراد الشيخ نور أن يوهم المجتمع الصومالي أنه على قطيعة مع واقع سياسي فاسد يعم الحياة السياسية وذي صلة بجماعة الدم الجديد!
مما أسفر عن تهديده لنواب البرلمان وذلك في حضور الرئيس محمد عبد الله محمد، حيث توعدهم بتحريض الشعب ومؤيديه عليهم في حال قدموا مشاريع اعتراض على الحكومة الحالية وأدائها السياسي، وتوعدهم باقتحام بيوتهم وممارسة حق اقتصاص العدالة تجاههم!
بذلك أكد الشيخ نور أنه يمارس مهام السلطات التشريعية، القانونية والتنفيذية معا، ويحمل ذلك في طياته أن البرلمان سيتم تعليق أدائه وأنه سينتهي إلى جهة غير مرغوب بها وعلى الأقل سيتم تقييم دورها لما يتماشى مع توجهات ورغبات الشيخ نور وتنظيمه!
الرئيس الصومالي الذي تم التحريض خدمة له ولعدم اعتراض دور حكومته المشكلة من قبل حسن علي خيري، لم يعترض على تصريحات الشيخ نور والتي تمت في حضوره وذلك على هامش مناسبة لدعم الجيش الصومالي ماليا وكان أعلن تكليف الشيخ برئاستها.
ونظرا لتقاطع المصالح بين الرئيس والشيخ فقد تغاضى الأول عن تصريح الثاني والذي منح ذاته وجماعته سلطات تفوق سلطة الرئيس الشكلية, ومن خلال السكوت الذي لم يعقبه أي تصريح حكومي بغض النظر عن مدى مستواه، فقد أكد الرئيس الصومالي ضمنيا أنه يتفق مع شيخ الجماعة في قراره المعلن وأنه أو حكومته لن يعترضوا على ما سيتعرض له النواب تحديدا أو بعض القيادات الأخرى في الحكومة والتي لا تحول على رضا المذكورين.
وبذلك يتم الإعلان عن تحالف سياسي يستهدف حالة الديمقراطية التي روج لها والتي أوصلت الرئيس ذاته إلى منصبه الحالي وفيما مضى إلى رئاسة الحكومة.
وقانونيا فإن أي مكروه يحل بحياة النواب القياديين المعارضين لرئيس سيصبح من مسؤوليته بالتوازي مع حليفه شيخ جماعة هدر الدم والذي سيقود فعليا جهود ملاحقة المعارضين في بيوتهم وغيرها من الأماكن!
وبذلك سيتم إعادة الصومال إلى واقع فترة سابقة والسقوط الغير قانوني للعملية السياسية الراهنة رغم هشاشتها وغياب مضمونها, بدلا من العمل للبحث عن إخراج عملية سياسية ذات محتوى انطلاقا من مقاييس جاذبة سياسيا, اجتماعيا وقانونيا وتبدأ بالعمل على تصحيح مضمون الدستور وسد الثغرات الواردة.
الرئيس يؤكد أن مرجعيته هي المواطنة والشيخ يرى أنها تمثل بالدين وكلا المرجعيتان لا تستقيمان مع الخروج عن الدستور وتصفية الحسابات مع المعارضين من خلال ممارسة العنف تجاههم.
كما أن الغرابة تشمل سكوت أمانة البرلمان ممثلة برئيسة ونائبيه الذين لم يعترضوا على تهديدات الشيخ الهادر لدم جديد! إلا أن سلوك اثنان من رئاسة البرلمان فيما مضى من سنوات يفسر موقفهما الراهن من هذه القضية محل الحديث.
عموما الفساد الذي سيتحالف لأجله الرئيس والشيخ ليس جديدا على البلد، فقد تعايش كلاهما معه لفترة طويلة وسخروه لمصالحهم الخاصة ولاسيما أنه لا يشكل واقعا عابرا، بل يمثل إرثا متراكما خلال فترة التوجه نحو المسار الفيدرالي غير العملي، والذي انته إلى صعوبة سياسية في سبيل إخراجه إلى الواقع الملموس.
وفي سياق الواقع المعلن عنه ستكرس معايير عانى منها الصومال في السابق نظرا لازدواجيتها، حيث سيقدم الحلف على المواطنة والمصالح الخاصة على الدستور، الحاكم على المواطن، الشيخ المريد على النواب، الجماعة على المجتمع!
أما الفساد الذي يتحجج به كلا الطرفان المتحالفان فقد صاحب صعودهم سياسيا فالرئيس وارد اسمه في قائمة تقرير الفساد والشفافية من قبل مجلس الأمن الدولي لعام 2012 وأن أستلم شيك بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي كتبرع للصومال من قبل دولة الإمارات، إلا أن المبلغ الذي تم تسليمه للبنك المركزي الصومالي لم يتعد 5.6 ملايين دولار فقط.
بينما ينتمي الشيخ لجماعة سياسية فاسدة بكل المقاييس وبلغت أن أصبحت بمحل كراهية وتهكم المجتمع الصومالي وبلغ ذروة فسادها السياسي والمالي خلال الفترة 2012-2017 ذروته ولم ير الصوماليون خلالها بثورة على واقع الفساد من قبل الشيخ نور بارود جورحن، وصولا إلى العملية السياسية الراهنة والتي أعلن عن دفنها.