قال الباحث المغربي في معهد شاثام هاوس (المعهد الملكي للدراسات الدولية والاستراتيجية بلندن)، محمد مصباح، إن "منطقة الريف مجروحة، تاريخيا علاقتها متوترة من السلطة المركزية، سواء في فترة الاستعمار وما بعد الاستقلال، وقد تركت العلاقة ندوبا"، وحذر من "كلفة الحراك على المغرب اقتصاديا وسياسيا على المديين المتوسط والبعيد".
وسجل محمد مصباح في مقابلة مصورة مع "
عربي21"، أن "لحراك الريف كلفة سياسية واقتصادية وحقوقية، على المديين المتوسط والبعيد، فالمغرب كان قبلة لاستثمارات كبيرة رغم أنه لم يقم بإصلاحات سياسية، وكان مستقرا نسبيا".
ودعا مصباح "الجميع إلى العمل على تعميق الإصلاح السياسي وإعادة الثقة في المؤسسات، وإقرار فصل حقيقي بين الثروة والسلطة، ومحاربة الفساد، وإلا فإن المغرب لن يحقق استقرارا داخليا ولن يستقبل استثمارات خارجية".
واعتبر أن "البطالة عامل حاسم في حراك الريف، بخلاف الأخطاء التي تروج عن المنطقة بكونها منطقة غنية حسب التداول الشعبي، لاعتبارين (المخدرات) و(تحويلات الجالية)، فالمخدرات لا يستفيد منها إلا كبار الأباطرة، وتحويلات الجالية هي فقط من أجل العيش ولا تكفي للاستثمار، وحتى الاستثمارات الموجودة فهي موجهة للاستهلاك فقط مطاعم ومقاهي".
وأفاد مصباح الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن "البطالة مضاعفة في المنطقة مقارنة بالمعدل الوطني، بحسب المندوبية السامية للتخطيط (الإحصاء الوطني)، خاصة لدى الفئات الشابة، لذلك تولد الإحساس بالتهميش، والحرمان من موارد المنطقة".
وعن تقييم المجتمع المغربي للحراك قال: "اختلفت وجهات نظر المجتمع المغربي من حراك الريف إلى ثلاثة أطياف، فئة مساندة للحراك باعتباره مشروعا، طبيعتها حضرية ومتمدرسة لها تجربة سياسية أو مدنية، فئة ثانية واسعة، حذرة بحكم مشاهداتها لما يقع إقليميا، وما يتم نشره من بروباغاندا رسمية، يغلب عليها الخوف أو الاحتياط، الصنف الثالث، الذي يسمى إعلاميا (العياشة)، تهاجم وتسعى لتشويه الحراك، وهم فاعلون من غير الدول تقوم بتهديد المحتجين وتدعو أحيانا لاستعمال العنف ضدهم".
وأوضح أن "الجديد في الحراك، هو ما يسمى بالشباب الملكي، وهي فئات من غير الدولة تدعو إلى إعمال العنف في حق حراك الريف، وتهدد باستعماله، وهي تشبه إلى حد كبير (بلطجية) مصر أو (شبيحة) سوريا، وهذا تطور خطير جدا ينبغي التنبيه إليه".
وشدد على أن "هذه النماذج قد تؤدي إلى انقسام المجتمع أفقيا، ما قد يضعف من دور الدولة نفسها، لأن الدول المتحضرة هي من تحتكر العنف، لكن عندما تشرع مجموعات في استعمال العنف فهذا تهديد لمشروعية الدولة نفسها".
وأكد أن "شباب الحراك يملك وعيا سياسيا جعله يستغل الفراغ المؤسساتي لمرحلة ما بعد الانتخابات، التي أثمرت حكومة جاءت أدنى من الانتظارات، إضافة إلى عدم ذهاب الدولة في التحقيق حول مقتل بائع السمك إلى مستواها، ما دفع الشباب إلى التصعيد".
وأضاف أن "حراك الريف استفاد من صيرورة التعلم من التجارب السابقة ومن الواقع السياسي أيضا، حيث رفض الحراك التعامل القاطع مع الأحزاب والجمعيات، حفاظا على طهارة الحراك، بما يعني انعدام الثقة في الوسائط، وهذا يميزها عن 20 فبراير".
وسجل أن "الدولة تجرب مجموعة من الأدوات التقليدية في التعامل مع الاحتجاجات، المزج بين القمع والتفاوض، وهي كانت صالحة لامتصاص الغضب، وهي لم تعد صالحة اليوم".
ومضى يقول إن "الدولة في 20 فبراير قدمت عرضا سياسيا وانفتاحا وبعده عادت لتنتقم، الآن غيرت خريطة عملها، من خلال المزج بين الدعوة للحوار، واللجوء للعنف والاعتقال وتشويه الأشخاص، وتريد عكس الوصفة من خلال تجريب القمع أولا ثم إذا فشلت في قمع الحراك ستذهب إلى عرض سياسي، وهي ذاهبة إليه حتما إلا أن يتوقف الحراك ذاتيا".
وأكد أن "الأحزاب والهيئات المدنية لا تستطيع أن تلعب دور الوساطة بين حراك الريف والدولة، لأن الحراك يرفض هذا، وطالب بحوار مباشر مع الملك، واقترحوا لجنة يفوضها الملك لمباشرة الحوار معهم، لأن ناشطي الحراك فقدوا الثقة في دور الأحزاب، ولهذا فهم يدعون إلى تدخل المؤسسة الملكية، والحوار مع لجنة يوفدها الملك شخصيا للتفاوض مع ناشطي الحراك".
وزاد أن "العرض المطلوب يقوم على مكافحة الفساد والفصل بين الثروة والسلطة، وهذه مطالب الحراك في العمق، فالورش المطلوب من الدولة هو التحرير الاقتصادي".
وقال إن "رفع الأعلام الأمازيغية وعلم الريف هو تعبير عن احتجاج على السلطة المركزية وليس تعبيرا عن نزعة انفصالية. إن اللجوء إلى الرموز الثقافية المحلية هو سلوك تلجأ إليه الحركات الاحتجاجية ذات النفس الثقافي والهوياتي لتأكيد تمايزهم عن المركز والاحتجاج على سياساته من دون أن ي تضمن ذلك بالضرورة دعوات انفصالية".
واستطرد أن "المشكل يبدأ عندما تهاجم مجموعة من الأشخاص، وتطلق عليهم هذه الأوصاف، ثم تؤكدها عبر الإعلام العمومي والتصريحات الرسمية، وتحاول تكريسها، وهذه تسمى في علم الاجتماع (النبوءة التي يتم تكريسها) حيث تدفع الشخص إلى الإيمان بأنه منبوذ وبالتالي تدفعه للجريمة، رغم أن حراك الريف يعلن بأن مشكله ليس مع الملك".
واعتبر أن حراك الريف حركة احتجاجية تحولت إلى حركة اجتماعية، يتحول فيها المواطنون العاديون إلى فاعلين يطالبون بالحقوق، وذلك لأنه توفر على قيادة تؤطره ومالكة للشرعية، وحد أدنى من التنظيم، وهوية تجمع أعضاءها، ولها مطالب محددة أو التناقض، والاستمرارية كآخر عنصر يميز الحراك".