يتساءل الشارع العربي عن دور مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية في أزمة حصار قطر، وما هي الأدوار المنتظرة منهما في حل هكذا أزمة، والغريب في الأمر أن حتى كتابة هذه السطور لم نسمع أي تصريح من الأمين العام للمجلس ولا أمين عام الجامعة. ماذا يعني هذا في لغة السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية؟
بكل بساطة المعنى واضح والرسالة واضحة لا غبار عليها وهي أن هذين التنظيمين، مع الأسف الشديد، مجرد هياكل جوفاء عندما يتعلق الأمر بالعمل العربي المشترك وحل المشاكل والقضايا والأزمات بين الدول الأعضاء فيهما. والسؤال المطروح في هذا المقام وهو لماذا لم تقبل الدول المحاصرة لقطر على الجلوس حول طاولة المفاوضات ومناقشة الأزمة دبلوماسيا وحضاريا مع قطر؟ ولماذا لم تجرؤ جامعة الدول العربية في احتواء الأزمة والدعوة لمعالجتها بالمفاوضات والدبلوماسية الإيجابية؟ أسئلة كثيرة قد تفضح الإجابة عنها أن التنظيمين لا جدوى من ورائهما سوى قمم المجاملات والشعارات التي لا تغني ولا تشبع من جوع.
بدأ الحصار على قطر باختراق وكالة الأنباء القطرية وفبركة أخبار منسوبة إلى أمير قطر، وبعد أن أكدت قطر أن تلك الأخبار مفبركة، وعندما لم يتم إقناع الرأي العام العربي والخليجي بذلك انتقلت الدول المحاصرة –المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين- إلى مرحلة أو خطوة أخرى باتهام قطر بأنها تدعم الإرهاب، وعندما لم تجد تلك الدول تجاوبا مع اتهاماتها في الخطاب الرسمي الأمريكي، وهي الدولة التي تتولى أو تقود محاربة الإرهاب، سمعنا في القمم التي عقدت في الرياض تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما أكد أن قطر شريك أساسي في مكافحة الإرهاب، وكذلك فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الكلام نفسه مع نظيره القطري، كما شددت السفيرة الأمريكية في الدوحة دانا شل سميث في تغريده لها على أن قطر تعمل مع أمريكا على محاربة داعش.
وفيما يتعلق باعتراض بعض دول الخليج على دعم الدوحة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يرى المسؤولون القطريون أن دولتهم تتشرف بدعم حماس كونها حركة مقاومة وطنية للاحتلال الإسرائيلي، فقطر عرفت عبر تاريخها بدعم واستضافة المظلومين والمضطهدين عبر العالم، وستستمر في هذه السياسة مهما تلقت من طعنات من بعض الأشقاء.
لا تبدو الأزمة الأخيرة مع قطر هي الوحيدة التي تطل برأسها من صفحات تاريخ مجلس التعاون الخليجي، فقد كانت الخلافات السياسية وراء تعطيل الكثير من مشروعات المجلس في الاندماج الاقتصادي، وإصدار عملة موحدة، كما كانت العلاقة مع إيران -الجار الأقرب لدول الخليج- واحدة من أخطر الملفات الساخنة دوما في العلاقات الخليجية - الخليجية، فما بين علاقات وثيقة في العلن تتمتع بها سلطنة عمان مع الجار ذي الإرث الفارسي، المشحون بطموحات العودة لحكم المنطقة، بزي إسلامي شيعي، وعلاقات أقل دفئا مع الكويت، وأكثر حميمية -في السر- مع قطر، إلى علاقات متوترة سياسيا دافئة اقتصاديا مع الإمارات، وصولا إلى عداء معلن ومواجهات ضارية مع السعودية والبحرين.
كشفت الأزمة الأخيرة في منطقة الخليج عن الكثير من التناقضات والقضايا التي تحتاج إلى الوقوف عندها ودراستها بتأني. مقاطعة دولة عضوة في مجلس التعاون الخليجي من قبل أعضاء في التنظيم نفسه يعتبر عملا خارجا عن أي منطق وعن الأعراف والمواثيق والبروتوكولات الدبلوماسية. فقضية مثل هذه كان من الأجدر دراستها ومناقشتها على طاولة مجلس التعاون الخليجي.
وتساءل الكثيرون عن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وأين دوره في مثل هذه الظروف والأزمات. فإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن مؤسسات العمل المشترك في الدول العربية ما هي إلا مجرد أجهزة للمجاملات والصالونات واجتماعات الشعارات. كيف يتم فرض حصار على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي من قبل ثلاث دول أعضاء في المجلس نفسه؟ والأخطر من ذلك أن الحصار جاء من دون سابق إنذار وبدون أسباب واضحة.
الحصار جاء في شهر رمضان وجاء بقائمة من أشخاص ومنظمات إرهابية والسؤال الذي يطرح على الدول التي أصدرت القائمة أن الموضوع ليس من اختصاصها بالدرجة الأولى ولجان منظمة الأمم المتحدة هي الوحيدة المسؤولة على إصدار مثل هذه القوائم وتحديد الأشخاص والمنظمات بالأدلة والبيانات أنها إرهابية. من قال إن منظمة "حماس" هي منظمة إرهابية؟ ومن قال إن القرضاوي، الذي كرم ونال جائزة عالمية في دبي والرياض، إرهابي؟ والغريب في الأمر أن السعودية والإمارات كرمتا العلامة الإسلامي ووضعته لاحقا في قائمة الإرهابيين.
ويبدو أن الأزمة الراهنة ستكون الأقسى والأخطر على مستقبل مجلس التعاون، الذي يقف اليوم أمام خيارين مصيريين، إما التفكك والتلاشي، أو إعادة البناء على أسس مختلفة، فرغم أن فكرة مجلس التعاون الخليجي بدأت في نوفمبر عام 1981 كإطار للعمل السياسي بهدف توحيد دول الخليج للدفاع عن نفسها بعد الثورة الإسلامية في إيران، والتي اشتكت دول الخليج منها بأنها تحمل تطلعات توسعية في أراضيها وثرواتها، فإن الاقتصاد استطاع أن يفرض نفسه على تاريخ العلاقات الخليجية، بحكم الواقع، فالدول الأعضاء في المجلس تملك ثلث الاحتياطي النفطي العالمي، ويمثل النفط 90% من إيراداتها، حيث تضخ دول المجلس 17.5 مليون برميل من الخام يوميا، أي حوالي خمس الإنتاج العالمي و55% من إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وإجمالي الناتج الداخلي لهذه الدول مجتمعة بلغ 1600 مليار دولار في 2012 قبل أن يتراجع نهاية 2016 إلى 1370 مليارا بحسب صندوق النقد الدولي، كما تمتلك الدول الخليجية واحدا من أعلى مستويات الدخل في العالم، إذ يقدر متوسط دخل الفرد فيها بنحو 27400 دولار، وتقدر أرصدة هذه الدول في الخارج حاليا بحوالي 2400 مليار دولار.
هذه الثروة الكبيرة مثلما كانت "نعمة" لأهل الخليج، كانت "نقمة" بالقدر ذاته، فقد جعلت المنطقة مطمع كل القوى الإقليمية والدولية، وبخاصة إيران والولايات المتحدة، وغيرهما بدرجة أقل، وربما كان من الممكن أن تتواصل مسيرة التعاون الخليجي كتجربة اقتصادية ناجحة، إلا أن دخول السياسة على الخط تسبب في تباين الرؤى والأهداف ما جعل الاختلافات تكثر وتتشعب ضاربة تماسك الأعضاء الست في المجلس.
والأخطر من ذلك أن العرب لم يتعلموا الدرس فإذا نظرنا إلى جامعة الدول العربية نلاحظ أن جمهورية مصر العربية تسيطر على لجان المنظمة وأن الأمين العام يجب أن يكون من بلد المنشأ على غير المنظمات المتواجدة في العالم وهذا أن لا ديمقراطية داخل هذه المنظمة التي اشتهرت بدوراتها وقممها الفاشلة الواحدة تلو الأخرى.
بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي ففشله الذريع في توحيد العملة الخليجية يعني أنه منظمة فاشلة في الأمور الجادة وأن المملكة العربية السعودية تستحوذ عليه وتفرض أجندتها على باقي الأعضاء كما تشاء، ومثلها مثل جمهورية مصر فإنها تستحوذ على معظم لجان المجلس.
الشرق القطرية