أشعر، مثل كثيرين غيري في هذا الوطن، أن هناك أسرارا كثيرة لم تقم الحكومة بإخبار الشعب عنها فيما يتعلق بقضية جزيرتي تيران وصنافير، التي صوت مجلس النواب عصر يوم الأربعاء الماضي على تسليمها للسعودية. وليس معقولا أن نقرأ بعض الأخبار التي تخصنا منشورة في وسائل الإعلام الغربية حينا والإسرائيلية أحيانا.
قضية تيران وصنافير ظلت مجمدة لمدة 14 شهرا كاملة في الثلاجة، ثم فجأة تم تسخينها بشدة، وتمريرها في ثلاثة أيام من الأحد إلى الأربعاء.
قبل حوالي شهرين، فهم كثيرون من كلام الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر الشباب الأخير في مدينة الإسماعيلية، أنه لن يتم تمرير الاتفاقية إلا بعد أن يقول القضاء كلمته.
صحيح أن الرئيس لم يقل ذلك نصا، لكن ذلك هو المعنى الذي فهمه كثيرون، في القاعة التي تحدث فيها الرئيس، وكنت أحدهم في مساء هذا اليوم الثاني وقبل الأخير من المؤتمر.
يسأل كثيرون ما الذي تغير منذ مقابلة الرئيس السيسي للملك سلمان بن عبدالعزيز في البحر الميت على هامش القمة العربية الأخيرة في الأردن أواخر شهر مارس الماضي؟!. علما أن توترا حادا شاب علاقات البلدين، منذ أواخر أكتوبر الماضي وحتى هذا اللقاء على خلفية ملفات كثيرة منها المشكلة السورية، الأمر الذي أدى لوقف السعودية لإمداداتها البترولية لمصر، حتى عادت بعد يومين من لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في واشنطن في نفس توقيت القمة العربية تقريبا، وقبل لقاء السيسي مع ترامب في واشنطن أوائل شهر أبريل الماضي.
خلال الشهرين الماضيين جرت في الأنهار العربية مياه كثيرة جدا. وألقى ترامب بحجر ضخم في هذه المياه الراكدة حينما زار العاصمة السعودية الرياض، وعقد قمة مع رؤساء الدول العربية والإسلامية، انتهت بحصول أمريكا على عقود اقتصادية وعسكرية مع السعودية تقترب من نصف تريليون دولار.
بعد قمة الرياض بيومين انفجرت الخلافات بشدة ملحوظة بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، وتم قطع العلاقات معها، وإغلاق الحدود الكاملة في خطوة غير مسبوقة عربيا.
لكن هذا التطور قابله غموض في الموقف الأمريكي، فبينما مارس ترامب هواياته في التغريد المستمر ضد قطر «ورعايتها للإرهاب منذ زمن طويل»، فإن موقف وزارة الدفاع «البنتاجون» والخارجية أقل حماسا وأكثر ترددا، في حين وقعت وزارة الدفاع مع قطر اتفاقا لبيعها صفقة طائرات «إف 16» بقيمة 12 مليار دولار!!.
وبين الحين والآخر كنا نسمع أحاديث وهمسات إسرائيلية خجولة حينًا وسافرة أحيانًا عن زيادة التنسيق مع دول خليجية للتصدي للهيمنة الإيرانية ــ على حد الزعم الصهيوني.
خلال الخلاف المصري السعودي من نوفمبر حتى مارس الماضي، سمعنا كلاما سعوديا واضحا بأنه لا تعاون اقتصاديا مع مصر، خصوصا فيما تم الاتفاق عليه منذ أبريل 2016 إلا بعد تسليم جزيرتي تيران وصنافير، وبالأخص مشروعات تعمير سيناء وإقامة الجسر البري بين البلدين قرب أو فوق هذه المنطقة.
مرة أخرى ما الذي حدث حتى تُسرع الحكومة المصرية بهذا الشكل وتمرر الاتفاقية في ثلاثة أيام رغم أنها ظلت مركونة 14 شهرا؟!.
هل هناك صلة بين هذا الأمر وما يتردد عن قرب الدخول في «صفقة القرن» بين العرب وإسرائيل، وأن السعودية بهذه الاتفاقية صارت طرفا في كامب ديفيد، وتملك حدودا حتى لو كانت «وهمية» مع إسرائيل؟!.
هل الترتيبات الخاصة بالاتفاقية لها صلة بطمأنة إسرائيل بشأن المستقبل، خصوصا أن البعض يتحدث عن وجود مياه دولية أمام تيران الآن بعد تمرير الاتفاقية؟!
هل هناك أسس جديدة لعلاقات مصرية سعودية مختلفة بعد تمرير الاتفاقية؟!. والسؤال الأهم: ما هو أثر توقيع الاتفاقية على زيادة فرص محمد بن سلمان في تهيئة الأجواء أمام صعوده الملموس في المشهد الداخلي السعودي؟!!.
لو كنت مكان الحكومة المصرية لقمت بتوضيح الأمور بأي صورة من الصور من دون الكشف عن معلومات ليس هذا أوانها. لكن في كل الأحوال فإن طريقة الحكومة المصرية الراهنة في التعاطي مع مثل هذه الملفات، لا تفيد أحدا إلا أعداء هذه الحكومة نفسها!.
الشروق المصرية