مقالات مختارة

قطر ونزق المقاطعة

1300x600
ميزان القوى في الخليج العربي اختل بشكل واضح يوم امس على وقع قطع الرياض وأبو ظبي العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة؛ فالمقاطعة لن تقتصر تداعياتها على الخليج العربي، إنما ستمتد إلى اليمن والعراق وسوريا.

المقاطعة الدبلوماسية خطوة تحوي قدرا كبيرا من النزق؛ إذ بعثرت التحالفات في الخليج العربي وهشمت ما تبقى من البيت الخليجي، بل أضعفت الثقة بقدرة دول المنطقة على إدارة أزماتها، ورسم معالم سياسة مدروسة ومتقنة؛ فالخطوة المتسرعة لم تجد صدى لدى العديد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها الباكستان وتركيا؛ إذ لم تنساق الباكستان وراء حملة المقاطعة ورفضتها. في حين أن تركيا تحركت لرأب الصدع واحتواء الخلافات وتقريب وجهات النظر، أما إيران فظهرت بمظهر الحريص على امن الخليج العربي واستقراره.

ردود الفعل الإقليمية الأولية تؤكد أن المقاطعة خطوة لا يمكن أن تكتمل بمجرد محاصرة قطر جوا وبرا وبحرا؛ إذ تحتاج إلى تفاعل عدد من القوى المؤثرة في الإقليم على رأسها تركيا والباكستان وايران أيضا، كما تتطلب حماسة كبيرة من الإدارة الأمريكية؛ امر قابله فتور كبير عبرت عنه تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون المتحفظ من الخطوات المتبعة لمخاطرها على مكانة الولايات المتحدة في الإقليم في مواجهة طهران وروسيا والصين المتحفزة لملء الفراغ في المنطقة. 

فالإقليم المضطرب مليء بالقوى الدولية والإقليمية القادرة على الانتفاع من أي خطوة متهورة تقدم عليها الدول العربية المتصارعة، خصوصا في ظل حالة النزق التي باتت تحكم العلاقات البينية الخليجية. 

لم يعد هناك خيارات جيدة أو بدائل متوفرة لجميع الأطراف المنخرطة في الأزمة المتفجرة، فالأزمة خرجت عن حدود السيطرة، وبرز إلى السطح جهود وأدوار القوى الإقليمية بل الدولية أيضا لترسيم معالم المشهد؛ بدءا بإيران وليس انتهاء بروسيا؛ فمن اطلق العنان لهذه الأزمة واتبع أسلوب المقاطعة فتح الباب واسعا لتمدد النفوذ الإيراني والروسي. 

فالأطراف الإقليمية تترقب المشهد منذ لحظة إعلان قطر اختراق وكالة قنا للأنباء، لتطلق المقاطعة الدبلوماسية العنان لنشاط القوى الإقليمية، مزعزعة معها مكانة مجلس التعاون الخليجي، وفاتحة الباب على مزيد من التدخلات الخارجية.

البيت الخليجي تعرض لشرخ كبير لا يمكن ردمه وإصلاحه، في مقابل مكاسب ونصر لم يتحقق؛ فالمكاسب من هذه الخطوات الدبلوماسية معدومة والخسائر مؤكدة يصعب تعويضها بمزيد من الأخطاء والتهور؛ تهور يهدد التحالفات ويضعف التوازنات في اليمن لصالح الحوثيين، وفي سوريا لصالح روسيا وايران مفاقما أزمة الدول الخليجية.

الخليج العربي دخل في مرحلة استثنائية يهيمن عليها النزق والتهور السياسي متسببا بنزيف سياسي واستراتيجي يصعب تعويضه أو وقفه؛ نزيف لا يمكن علاجه بمزيد من النزق والتصعيد والمواجهة؛ ما يجعل من تدخل القوى الإقليمية مع دول الخليج وعلى رأسها تركيا الباكستان لاحتواء الأزمة وتداعياتها والحد من آثارها السلبية؛ فمقاطعة قطر لن تحدث انقلابات في المعادلات الدولة أو الإقليمية بل ستتحول إلى حالة استنزاف جديدة لدول الخليج العربي.

السبيل الأردنية