بعد أقل من شهر على انتخابه رئيسا لفرنسا، استطاع إيمانويل ماكرون -رغم صغر عمره (39 سنة)- أن يرتدي الحلة الرئاسية بسرعة، وهذا بكل معنى الكلمة. وبدا ذلك واضحا مع ضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر فرساي؛ فقد ظهر ماكرون واثقا في نفسه ملما في تصريحاته وأجوبته، حازما في بعض مواقفه ودبلوماسيا بامتياز مع قيصر روسيا الحديث فلاديمير بوتين.
ماكرون تجنب الخوض في الخلاف الأساسي بين فرنسا وروسيا حول عملية الانتقال السياسي في سورية. فكيف يمكن أن يكون انتقالا سياسيا ديمقراطيا مع رئيس ونظاما قمعيا يقتل ويشرد ويهجر شعبه منذ ست سنوات؟
اكتفى ماكرون بالقول إن الحل السياسي للأزمة السورية هو في جمع جميع الأطراف، بمن فيهم ممثلو النظام، وهذا هو فعلا ما تنص عليه وثيقة مؤتمر جنيف التي تم التوافق عليها من الجميع، ولو أن النظام السوري يرسل ممثليه إلى المؤتمرات لإضاعة الوقت وليس للتفاوض على شيء. وامتنع ماكرون مع ضيفه الروسي عن الإشارة أو عن عرض تصوره لمصير الأسد في إطار أي حل للصراع السوري. فماكرون يعرف تماما أنه لا يمكن حل الصراع والانتقال السياسي في سورية مع بقاء الأسد. واكتفى بالقول إن هناك خطا أحمر هو استخدام السلاح الكيماوي، وإن أي طرف يستخدمه ينبغي أن يعرف أن فرنسا سترد فورا على ذلك. فماكرون قال إنه شكل مع بوتين مجموعة عمل لمكافحة إرهاب «داعش» الذي يضرب بلده وأوروبا وإيجاد حل سياسي للصراع السوري.
كما أكد ماكرون أن أولويته حاليا ليست إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق. وأكد أنه يجب الحفاظ على الدولة في سورية لأن أمثلة نتائج انهيار الدول في المنطقة كارثية. وبوتين اكتفى بالقول أنهما سيتعاونان في مكافحة إرهاب «داعش»، وزعم أن الإرهاب يهدد الأنظمة الهشّة، مشيرا من دون ذكره إلى نظام حليفه السوري بشار الأسد.
إطلالة ماكرون مع بوتين كانت مناسبة لمعرفة جزء مما في ذهن الرئيس الفرنسي الشاب بالنسبة إلى الصراع السوري. لكن الأمل بأن يتذكر أنه في 2011 عندما بدأ بشار الأسد يقصف ويقتل المتظاهرين سلميا، لم يكن هناك «داعش» ولا إرهاب في أوروبا ولا لجوء سوري في لبنان ولا في الأردن ولا في تركيا ولا إلى أوروبا. كما يجب أن يدرك أن بشار الأسد أدخل القوات الروسية والإيرانية و «حزب الله» لحماية نظامه وليس لحماية الدولة. والمعارضة السورية المعتدلة الديمقراطية حريصة على الحفاظ على مؤسسات الدولة التي خربها الأسد بميليشياته التي تتقاتل من أجل النفوذ والمكاسب المالية في جميع أنحاء سورية على حساب جيش ضعيف وفقير استعان بالخارج لمساندته في تنفيذ أمر رئيس وجماعته خربوا بلدهم والمنطقة.
إن بوتين يدرك أن قواته تحمي بشار الأسد ولا تحمي من الإرهاب الذي كان الأسد الأب والابن راعييه ولكن بشار أقل حنكة وذكاء من الأب. وبوتين مصر على بقاء الأسد لأنه أتاح له العودة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط مثل أيام هيمنة الاتحاد السوفياتي في هذا البلد. ومن الواضح أن ماكرون يأمل بإقناع الروس بالتقدم بحل في سورية. لكنه سرعان ما سيعرف أن بوتين لن يتنازل ولن يحل الصراع السوري إلا ببقاء الأسد وهذا لن يمثل حلا للشعب السوري. فكيف يعود الملايين من السنّة إلى بلدهم ويبقى الأسد على رأس البلد بعدما فتك بهم وقاتلهم؟
إن استقبال ماكرون لرياض حجاب أمس يعني أن فرنسا تريد الاستمرار في العمل مع القوى الديمقراطية المعتدلة في سورية؛ فحجاب شخصية معارضة تحظى باحترام كبير لدى أوساط عدة في العالم، ولكن ينبغي التنبه إلى ضرورة تكليف شخصيات فرنسية كفؤة وذات خبرة في الملف السوري في مجموعة العمل الروسية الفرنسية؛ لأن مهمة التعامل مع الدبلوماسيين الروس صعبة بقدر ما تتلاعب الطبقة الروسية السياسية من رئيسها إلى وزير خارجيته مع الحقيقة.
الحياة اللندنية