لا أستطيع استيعاب معنى أن يأتي رئيس أمريكي- أيا كان اسمه- إلى المملكة السعودية لعقد لقاء قمة مع ملك المملكة، ثم يتم جمع القادة الخليجيين لعقد اجتماع قمة مجمعة معهم، ثم بعد ذلك يتم جمع قادة الدول العربية والإسلامية لعقد لقاء قمة مجمعة ثالثة، ذلك أن الرجل لا وقت لديه لزيارة هذه الدول، كما أن لا وقت لديه لاستقبالهم في قصره بالبيت الأبيض، حيث يحكم، بالتالي كان هذا الشرف الكبير عربيا وإسلاميا.
لا أستطيع الاقتناع بمثل هذه الحالة إلا إذا كان ذلك الشخص هو أمير المؤمنين، أو الخليفة الذي من حقه ومن سلطاته جمع ولاة الأمصار في أي بقعة يشاء من محيط دولة الخلافة إلى أي قصر من قصورها.
على طريقة الخلفاء أيضا، لا أحد من الولاة يدرى لماذا يريد الخليفة رؤيتهم، وعن أي قضية سوف يتحدث، وما هي التعليمات أو الأوامر التي جاء بها من أقصى بقاع الخلافة، شأنهم في ذلك شأن الرعية تماما، كل ما هو متوافر من معلومات هو أن الخليفة غاضب على الولاة، ليس ذلك فقط، بل هو يطمع فيما بأيديهم من أموال، لقد قال نصا خلال حملته الانتخابية: (إنهم بقرة، متى جف حليبها سوف نذبحها)، قد يعلن رفع قيمة الجباية السنوية التي يقدمها كل وال، قد يفصح عن نيته إعادة التقسيم الإداري للولايات، قد يكشر عن أنيابه فيما يتعلق بالأدوار الجديدة المطلوب من كل والي أداؤها، قد يكون ذلك من خلال توريطهم في حروب برية مع بعضهم، وليس مع العدو الحقيقي، ذلك أنه في طريقه إلى إسرائيل، وما أدراك ما إسرائيل؟!
الخليفة الجديد لا يُخفي أنه يريد التمكين لإسرائيل في الأرض أكثر وأكثر، من تل أبيب إلى القدس، إلى كل بلاد الشام، إلى الجزيرة العربية، بل إلى بلاد فارس، لذا سوف يغادر الأراضي الحجازية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة إسرائيليا، قبل أن يتوجه مباشرة إلى الفاتيكان، فيما يشير إلى أنها جولة سياسية بأهداف دينية واضحة، سوف يتبادر إلى أسماعنا بالتزامن معها طوال الوقت تعبيرات ومصطلحات الإرهاب، والتطرف، والتشدد، والمذاهب، والإسلام السنى، والمحور الشيعي، إلى غير ذلك من إمعان في مزيد من الأزمات والأحلاف بالمنطقة، وإن كان الغطاء مغلفا بالمصالح المشتركة.
كنت أتمنى ألا نشهد أو ألا نعيش هذه الحالة أو ذلك اليوم الذي نرى فيه تلك الهرولة عربيا وإسلاميا تجاه شخص لا يخفي مشاعره تجاه العرب والمسلمين، على الأقل كنت أود أن نرى اجتماعات تنسيقية مسبقة تتقدم بمطالب معلنة فيما يتعلق بقضايا المنطقة، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، كنت أتمنى أن تتضمن المطالب في هذه الحالة عدم التدخل الأمريكي في شؤون المنطقة، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن وليبيا، كنت أتمنى مطالب عربية بتعويض العراق عن ذلك الخراب الذي لحق به جراء الغزو الأمريكي، أو تعويض سوريا عما لحق بها جراء صناعة داعش الأمريكية، أو تعويض اليمن وليبيا جراء القصف والتخريب الذي لحق بهما.
الأمر المؤكد هو أن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يحبس أنفاسه، وينتظر بقلق بالغ معرفة ما ستسفر عنه هذه اللقاءات، وما هي النكبات الجديدة التي يمكن أن تحل بالمنطقة بعد الفوضى الخلافة، والفوضى المدمرة، والفوضى التي لا نهاية لها، والشرق الأوسط الجديد، وهل ما زال في المنطقة ما يمكن اعتباره متماسكا أو مترابطا حتى تستهدفه مثل هذه الزيارة المريبة، خاصة أن كل المعلومات أكدت أنه تم فرض إتاوات في صورة مبالغ طائلة على دول بعينها، من خلال تعليمات صدرت من البيت الأبيض مباشرة، بالتالي لم تكن هناك حاجة إلى الزيارة لمجرد توقيع المزيد من عقود السلاح، إلا إذا كان الأمر أكبر من كل التوقعات، على غرار صفقة القرن، ومبادرة الألفية، ومزيد من عقود إذعان أخرى لا طائل لنا بها.
لن نستطيع أن نتنفس الصعداء، إذن، إلا إذا كانت هناك شفافية من القادة في التعامل مع شعوبهم بالمصارحة والمكاشفة بكل ما يدور في الأروقة الرسمية، ذلك أننا بصدد مستقبل شعوب قد تفاجأ بأنها أمام «سايكس بيكو» جديدة، أو وعد «بلفور» آخر، أو حتى «1967» أخرى، ولنا في الأجداد أو في السابقين العظة والعبرة، ذلك أن ما تم الكشف عنه من تواطؤ وخيانة وعمالة، منذ 1948 حتى الآن، جدير بأن يجعلنا نخشى من كل شيء، ونشكك في أي شيء، خاصة إذا كانت هناك بوادر واضحة في الأفق هنا وهناك.
للأسف سوف يسعى المتأمركون في مصر وغيرها من الدول العربية إلى التبشير والترويج لمثل تلك الزيارة أو هذه الاجتماعات على أنها المخلِّص للمنطقة من آفاتها، متجاهلين تجارب الماضي القريب والبعيد معا، معتمدين على ضعف الذاكرة العربية عموما، وهو الأمر الذي يجب التحذير منه في ضوء الصراع الروسي الأمريكي على الهيمنة في سوريا، والصراع السعودي الإيراني على الهيمنة في اليمن، والصراع السنى الشيعي على الهيمنة في العراق ولبنان، وقبل كل ذلك الوجود الإسرائيلي بالمنطقة، وجميعها صناعة أمريكية غربية.. على ماذا التعويل، إذن، من دونالد ترامب، أو أمير المؤمنين الجديد؟!
على أي حال، سوف نعيد التذكير بما قاله ترامب نصا: «سأذهب إلى دول الخليج، إنهم لا يمتلكون أي شيء آخر غير الأموال، لدينا ديون 19 تريليون دولار، لن ندفع منها شيئا، سأجعلهم يدفعون، سأجعلهم يدفعون، لا تنسوا أن هذه الدول من دوننا لم تكن لتكون موجودة».
"المصري اليوم" المصرية
لا أستطيع الاقتناع بمثل هذه الحالة إلا إذا كان ذلك الشخص هو أمير المؤمنين، أو الخليفة الذي من حقه ومن سلطاته جمع ولاة الأمصار في أي بقعة يشاء من محيط دولة الخلافة إلى أي قصر من قصورها.
على طريقة الخلفاء أيضا، لا أحد من الولاة يدرى لماذا يريد الخليفة رؤيتهم، وعن أي قضية سوف يتحدث، وما هي التعليمات أو الأوامر التي جاء بها من أقصى بقاع الخلافة، شأنهم في ذلك شأن الرعية تماما، كل ما هو متوافر من معلومات هو أن الخليفة غاضب على الولاة، ليس ذلك فقط، بل هو يطمع فيما بأيديهم من أموال، لقد قال نصا خلال حملته الانتخابية: (إنهم بقرة، متى جف حليبها سوف نذبحها)، قد يعلن رفع قيمة الجباية السنوية التي يقدمها كل وال، قد يفصح عن نيته إعادة التقسيم الإداري للولايات، قد يكشر عن أنيابه فيما يتعلق بالأدوار الجديدة المطلوب من كل والي أداؤها، قد يكون ذلك من خلال توريطهم في حروب برية مع بعضهم، وليس مع العدو الحقيقي، ذلك أنه في طريقه إلى إسرائيل، وما أدراك ما إسرائيل؟!
الخليفة الجديد لا يُخفي أنه يريد التمكين لإسرائيل في الأرض أكثر وأكثر، من تل أبيب إلى القدس، إلى كل بلاد الشام، إلى الجزيرة العربية، بل إلى بلاد فارس، لذا سوف يغادر الأراضي الحجازية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة إسرائيليا، قبل أن يتوجه مباشرة إلى الفاتيكان، فيما يشير إلى أنها جولة سياسية بأهداف دينية واضحة، سوف يتبادر إلى أسماعنا بالتزامن معها طوال الوقت تعبيرات ومصطلحات الإرهاب، والتطرف، والتشدد، والمذاهب، والإسلام السنى، والمحور الشيعي، إلى غير ذلك من إمعان في مزيد من الأزمات والأحلاف بالمنطقة، وإن كان الغطاء مغلفا بالمصالح المشتركة.
كنت أتمنى ألا نشهد أو ألا نعيش هذه الحالة أو ذلك اليوم الذي نرى فيه تلك الهرولة عربيا وإسلاميا تجاه شخص لا يخفي مشاعره تجاه العرب والمسلمين، على الأقل كنت أود أن نرى اجتماعات تنسيقية مسبقة تتقدم بمطالب معلنة فيما يتعلق بقضايا المنطقة، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، كنت أتمنى أن تتضمن المطالب في هذه الحالة عدم التدخل الأمريكي في شؤون المنطقة، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن وليبيا، كنت أتمنى مطالب عربية بتعويض العراق عن ذلك الخراب الذي لحق به جراء الغزو الأمريكي، أو تعويض سوريا عما لحق بها جراء صناعة داعش الأمريكية، أو تعويض اليمن وليبيا جراء القصف والتخريب الذي لحق بهما.
الأمر المؤكد هو أن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يحبس أنفاسه، وينتظر بقلق بالغ معرفة ما ستسفر عنه هذه اللقاءات، وما هي النكبات الجديدة التي يمكن أن تحل بالمنطقة بعد الفوضى الخلافة، والفوضى المدمرة، والفوضى التي لا نهاية لها، والشرق الأوسط الجديد، وهل ما زال في المنطقة ما يمكن اعتباره متماسكا أو مترابطا حتى تستهدفه مثل هذه الزيارة المريبة، خاصة أن كل المعلومات أكدت أنه تم فرض إتاوات في صورة مبالغ طائلة على دول بعينها، من خلال تعليمات صدرت من البيت الأبيض مباشرة، بالتالي لم تكن هناك حاجة إلى الزيارة لمجرد توقيع المزيد من عقود السلاح، إلا إذا كان الأمر أكبر من كل التوقعات، على غرار صفقة القرن، ومبادرة الألفية، ومزيد من عقود إذعان أخرى لا طائل لنا بها.
لن نستطيع أن نتنفس الصعداء، إذن، إلا إذا كانت هناك شفافية من القادة في التعامل مع شعوبهم بالمصارحة والمكاشفة بكل ما يدور في الأروقة الرسمية، ذلك أننا بصدد مستقبل شعوب قد تفاجأ بأنها أمام «سايكس بيكو» جديدة، أو وعد «بلفور» آخر، أو حتى «1967» أخرى، ولنا في الأجداد أو في السابقين العظة والعبرة، ذلك أن ما تم الكشف عنه من تواطؤ وخيانة وعمالة، منذ 1948 حتى الآن، جدير بأن يجعلنا نخشى من كل شيء، ونشكك في أي شيء، خاصة إذا كانت هناك بوادر واضحة في الأفق هنا وهناك.
للأسف سوف يسعى المتأمركون في مصر وغيرها من الدول العربية إلى التبشير والترويج لمثل تلك الزيارة أو هذه الاجتماعات على أنها المخلِّص للمنطقة من آفاتها، متجاهلين تجارب الماضي القريب والبعيد معا، معتمدين على ضعف الذاكرة العربية عموما، وهو الأمر الذي يجب التحذير منه في ضوء الصراع الروسي الأمريكي على الهيمنة في سوريا، والصراع السعودي الإيراني على الهيمنة في اليمن، والصراع السنى الشيعي على الهيمنة في العراق ولبنان، وقبل كل ذلك الوجود الإسرائيلي بالمنطقة، وجميعها صناعة أمريكية غربية.. على ماذا التعويل، إذن، من دونالد ترامب، أو أمير المؤمنين الجديد؟!
على أي حال، سوف نعيد التذكير بما قاله ترامب نصا: «سأذهب إلى دول الخليج، إنهم لا يمتلكون أي شيء آخر غير الأموال، لدينا ديون 19 تريليون دولار، لن ندفع منها شيئا، سأجعلهم يدفعون، سأجعلهم يدفعون، لا تنسوا أن هذه الدول من دوننا لم تكن لتكون موجودة».
"المصري اليوم" المصرية
شارك
المزيد من هذا الكاتب
