مقالات مختارة

لم تكن كلها نكبة

1300x600
لم تكن السنوات السبعون السابقة كلها نكبة رغم قسوة ما مرّ بها.. صحيحٌ أنها كانت الزلزال الرهيب الذي أودى بسكان بلد إلى خارج مساكنهم ومرابعهم في ذات يوم من شهر ماي أيار 1948 وجاء بشذاذ الآفاق مدعومين من الاستعمار الغربي إلى مدن فلسطين وقراها وأرضها ومقدساتها الإنسانية..

وصحيح أن سجل العنصرية الصهيونية تحبر بذكريات المجازر في قبية والرملة ودير ياسين وخانيونس ويافا.. وصحيح أن المهجرين الفلسطينيين لم يجدوا على مدار قرن من يحتويهم ويشد من أزرهم ويداوي جراحهم إلا القليل من العرب.. فما زالت مخيماتهم تئن في لبنان لتكون هي الوجه النقيض لبلد السياحة والحريات.. وفي سواه من شتات في دول العرب عليهم أن يضبطوا مشاعرهم مع الحاكم العربي وان يبدِّلوا مواقفهم كلما تبدل الحاكم العربي وتلاحقهم محاسبات بأثر رجعي.. صحيح أنها مراحل قاسية وصعبة.. ولكن لم تكن السنوات السبعون كلها نكبات.

في هذه السنوات سجلنا انتصارا أسطوريا في الجزائر.. انتصار عكس التيار ولكنه مع حركة التاريخ.. انتصار له اكثر من دلالة لعل أولها على الإطلاق انه يبعث بإشارة واضحة تماما أن المشروع الصهيوني الإحلالي الاستيطاني لن ينجح مهما بذل من جهود ولهم فيما حصل في الجزائر خير دليل؛ فبعد قرن وثُلث قرن من الزمان وقد ظن الكولون أن الجزائر فرنسية واخذوا من الجزائر كل شيء وحولوا الجزائريين إلى خمَّاسين في بلادهم وبنوا المدن والمداشر والمزارع لكي يعلنوا بوضوح أن البحر المتوسط فقط هو ما يفصل بين الجزائر وفرنسا..

جاءت الثورة الجزائرية لتوقع بعد قرن وثلث أن الاستعمار الاستيطاني الإحلالي فشل وها هو يخرج بكل تبعاته من الأرض الجزائرية وها هي الجزائر تعود حقيقة لا يختلف حولها إلا أعمى.. فكانت الجزائر في هذه العقود مرتكزا نفسيا وماديا أساسيا في التعامل مع الموضوع الفلسطيني.

وفي هذه السنوات هبّ أبناء فلسطين وسجلوا ملاحم بطولية في ثورة المستحيل التي التأمت صفوف طليعتها من قطاع غزة ومخيمات الشتات بلبنان وسورية والضفة الغربية لتقتحم بالنار والسلاح مَواطن الأمن الصهيوني فكانت ملحمة الكرامة 1968 حيث تجاوز الفلسطينيون هزيمة النظام العربي وتقدموا يشعلون النار تحت أقدام المحتل بالأرض المحتلة وبعد أن تآمر النظام العربي عليهم سنة 1970 وأخرجوهم من الأردن بعد مجزرة أيلول..

وكان للجندي العربي المصري والسوري والعراقي والجزائري صفحة عز ومجد في 1973 لولا فوضى البعض لكانت بداية سجلّ الانتصارات..

وكان الجنوب اللبناني شاهدا على بطولات المقاومة الفلسطينية التي جسّدت قلعة شقيف 1982 رمزا لها في مواجهة عدو مدجج بالجريمة ودعم الغربيين الاستعماريين.. وكانت الانتفاضة الأولى والثانية وكان صمود غزة واقتدارها على قصف تل أبيب وإغلاق مطار بن غوريون 2014 كما كانت للمقاومة اللبنانية دورها المميز في مواجهة العدوان الصهيوني.

ولكننا نقرر أننا بعد 69 سنة نقف على أطلال نكبتنا بفلسطين نكتشف أننا منكوبون في أنظمتنا السياسية وأننا منكوبون في العقيدة العسكرية لجيوشنا وأننا منكوبون في منظومة أفكارنا واننا منكوبون في فهم ديننا واننا منكوبون في نخبنا الثقافية والسياسية والإعلامية.

نقف مزودين بالخيبات وبالانتصارات والتضحيات مقررين أن الاتجاه في غير فلسطين ضلال وتيه.. في لحظة الاشتباكات الكبرى مع الاستعمار في سورية والعراق ولبنان وليبيا وسواها.. وفي ظل انبراء طلائع الأمة لمقارعة المستعمرين في كل مكان لا نملك إلا التفاؤل.. تولانا الله برحمته.

الشروق الجزائرية