قضايا وآراء

العد التنازلي في تونس ومصر

1300x600
الأوضاع السياسية والاقتصادية في تونس ومصر حاليا غير مرشحة للاستمرار على ما هي عليه، بغض النظر عن النتائج والمآلات. فالمعادلة الهشة التي صاغت الوضع الحالي عام 2013 استنفدت مهامها بسرعة وأصبحت هناك أسئلة كبرى تتجاوز فزاعة الإسلاميين وتخوين ثوار 2011. 

النظامان التونسي والمصري يواجهان مطالب اقتصادية شعبية تزداد يوما بعد آخر وفساد يأكل كل المساعدات ومقدرات التنمية. بالإضافة لذلك فهناك أزمة شرعية دستورية يعاني منها النظام التونسي الذي تشكل الحكومة فيه أحزاب أقلية في ظل إحجام النهضة ذات الأغلبية في البرلمان عن تشكيل الحكومة منفردة. وأزمة شرعية معروفة لدى نظام السيسي في مصر.

على الصعيد الاقتصادي، وصل الأمر في تونس أن يعلن الرئيس الباجي قائد السبسي قبل أيام تكليف الجيش بحماية موارد الإنتاج. وذلك على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تجاوزت الشهر في مدينة تطاوين جنوب تونس. وهي ولاية غنية بالنفط والغاز ولكن يعاني سكانها من الفقر والبطالة التي وصلت إلى 30%.

ويطالب المحتجون والمعتصمون بالعمل لدى المؤسسات النفطية والكشف عن حجم الثروات التي تمتلكها الولاية. والاحتجاجات ليست جديدة على الجنوب التونسي أو المثلث الأوسط الكادح الفقير والذي تخرج منه تاريخيا كل الثورات بسبب الفقر والتهميش ولا يحصد نتائجها سوى الشمال والساحل التونسي. وآخر هذه الثورات هي ثورة 14 جانفي (يناير) عام 2011 التي انطلقت من سيدي بوزيد وتالة في هذه المناطق. الجديد هذه المرة هي مطالبة رئيس البلاد للجيش بالتدخل وتسرب صور ومعلومات حول رفض الجيش هذا المطلب.

أما في مصر فقد أتت تصريحات مستشار وزير المالية حول تغيير العملة المصرية لتصب مزيدا من الزيت على النار الاقتصادية التي تغلي. إذ أعلن أن الحكومة بصدد دراسة تغيير العملة المصرية لدفع الذين لا يدخرون أموالهم بالبنوك على إخراجها. يأتي هذا في وقت تسبب فيه تعويم الجنيه والقفزة الجنونية للأسعار في زيادة نسبة الفقر بدرجة كبيرة.

ولا يوجد ما يراهن عليه النظام اقتصاديا سوى مجموعة من القروض الخارجية التي تعمل كمسكنات في ظل ضعف الاستثمار وتراجع إيرادات قومية هامة مثل السياحة. وقد شهدت البلاد قبل شهرين في مارس الماضي احتجاجات متزامنة بسبب الخبز في عدة محافظات لم يستطع النظام أن يواجهها بعنف كعادته مع أي نوع من المظاهرات، ولكن نزل الجيش والشرطة ليوزعوا الخبز على المواطنين لامتصاص المشكلة.

أما على الصعيد السياسي فهناك توتر سياسي تونسي وعدم استقرار للحكومات المتعاقبة. ولا يرحب السبسي أو نداء تونس بانتخابات مبكرة لعلمهم أن الإطار الجبهوي الذي ضم خصوم النهضة سياسيا وفكريا والمتمثل في النداء قد تفكك بسبب عدم التجانس ولم يتبق في الشارع من قوى حقيقية بخلاف النهضة سوى أطر حزبية جديدة أفرزتها الثورة مثل حزب حراك تونس الإرادة بزعامة الرئيس السابق المنصف المرزوقي أو حزب التيار الديموقراطية برئاسة محمد عبو الوزير السابق في حكومة الترويكا التونسية. وهؤلاء يمثلون اتجاها ثوريا متشددا مع رموز النظام السابق وهناك خشية لدى نداء تونس أو اليسار الراديكالي أن تحصد هذه الأحزاب الجديدة أغلبية في حال إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.

وفي مصر فقد بدأ الشقاق جليا بين النظام وأحد أركان دعائمه وهي السلطة القضائية بعد تمرير قانون مثير للجدل يخول السيسي تعيين رؤساء الهيئات القضائية متجاوزا نظام الأقدمية المعمول به. 

وبدأ الحديث حول مرشح توافقي للمعارضة يخوض معركة الرئاسة في مواجهة السيسي العام المقبل وتغيير البيئة السياسية للسماح بانتخابات حقيقية. ويحتاج النظام هذه الانتخابات ليقدم نفسه لحلفائه في الداخل والخارج بشكل جديد لإبراز قدرته على ضبط الأمور والسيطرة.

لا يتسع المقام هنا لذكر عوامل أخرى كثيرة تبرز أننا على شفا مرحلة جديدة منها مثلا انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا من خارج التقسيمة الحزبية التقليدية. ودول المغرب العربي هي مرآة بشكل أو بآخر للتطورات الكبرى التي تحدث في فرنسا والتغيرات في هذه الدول تمس دول المشرق. 

المهم أننا أمام امتحان جديد يختلف عن 2011 و2013 ونتائجه ليست بالضرورة إيجابية. فقد يسفر الأمر عن مزيد من القمع في مصر وتراجع الحريات والديمقراطية في تونس ما لم يتم الوعي بخطورة اللحظة الراهنة وأفضل الأساليب للتعامل معها من أجل كبح جماح عجلة الاستبداد مع الاستفادة من دروس الأعوام الستة الماضية.