هاجم مقاتلو
جيش الإسلام، الجمعة الماضي، مقرات تابعة لهيئة تحرير الشام، وفيلق الرحمن، في بلدات
الغوطة الشرقية بريف
دمشق، بحسب تقارير ميدانية.
وأوضح جيش الإسلام في بيان صادر عن قيادته العامة أنه اضطر إلى ذلك للتعامل مع "اعتداء فصيل هيئة تحرير الشام، ولرد بغيه" الذي كان آخره اعتقال مجموعة من مقاتلي الجيش كانت ذاهبة لمؤازرة المقاتلين في جبهة القابون المشتعلة ليلة الجمعة الماضية، وفقا للبيان.
وأكدّ البيان أن خلاف جيش الإسلام "محصور مع هيئة تحرير الشام بسبب بغيهم علينا، ونحن على وفاق تام وتواصل دائم مع جميع الفصائل الأخرى التي وضعناها في صورة الحدث وتفاصيله" بحسب ما جاء في البيان.
من جهتها نددت هيئة تحرير الشام باقتحام مقاتلي جيش الإسلام لمقراتها، ووصفته بـ"جولة جديدة من الغدر والاعتداء على المجاهدين وطلبة العلم في غوطة دمشق الشرقية".
وذكرت الهيئة في بيانها أن تحرك مقاتلي جيش الإسلام "بدأ عند إبلاغ حاجز فيلق الرحمن على مدخل مسرابا أنهم يريدون أن يمروا برتل يؤازر المجاهدين في القابون".
وتابع البيان "وعندما مر الرتل ودخل عربين بدؤوا بشكل مباغت بمحاصرة مقراتنا الحيوية، وترافق ذلك مع تحرك خلاياهم ودخول المدينة من محاور (الأشعري ـ بيت سوا ـ مديرا)".
وفي السياق ذاته استنكر فيلق الرحمن الهجوم الذي شنه جيش الإسلام على "مقراته في كل من مدينة عربين، وبلدتي كفربطنا وحزة" والذي أسفر عن مقتل عصام القاضي أحد قيادييه العسكريين، بالإضافة لوقوع العديد من الجرحى، بحسب البيان الصادر عن القيادة العامة في الفيلق.
وذكرت تقارير ميدانية اليوم الثلاثاء أن "جيش الإسلام ما زال يواصل عملياته ضد فيلق الرحمن، ما أدّى إلى مقتل عدد من عناصره، بينهم مدير قائد الفيلق، النقيب أبو نجيب".
فلماذا استهدف جيش الإسلام مقرات فيلق الرحمن، وهيئة تحرير الشام؟ وما هي دوافعه وأهدافه؟ وما مدى تأثير الخلفيات الفكرية وحضورها في المواجهات المشتعلة حاليا بينه وبين الفصائل الأخرى؟.
أرجع الداعية السوري، عبد الرزاق مهدي ما قام به جيش الإسلام من مهاجمته لمقرات فصائل هيئة تحرير الشام، وفيلق الرحمن إلى رغبته في الثأر مما وقع له سابقا، في إشارة منه إلى مواجهات العام الماضي بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الشام وجبهة النصرة من جهة أخرى.
وجوابا عن سؤال "
عربي21" هل يهدف جيش الإسلام إلى استئصال الفصائل الأخرى في غوطة دمشق؟ قال مهدي "بحسب البيانات الصادرة عنه فإنه يريد استئصال هيئة تحرير الشام فقط".
من جهته رأى الباحث الشرعي السوري، محمد سعدو أن "الهدف من تشكيل جيش الإسلام منذ بداياته كان السيطرة على محيط العاصمة دمشق، ومنع تواجد أي فصيل آخر بالقوة، وكانوا يسمون قائدهم الراحل زهران علوش بالأمير العام للغوطة في البيانات الرسمية".
وقال سعدو "في كل مرة تحدث فيها تفاهمات سياسية بين الدول يظن جيش الإسلام أن سقوط
النظام قريب، فيسعى إلى تقديم أوراق اعتماده للدول عن طريق قتال الفصائل، إلا إنه فشل في إنهاء وجود الفصائل في أكثر المرات السابقة".
وتابع سعدو حديثه لـ"
عربي21" لقد حاول من قبل حظر أحرار الشام وصادر سلاحهم، لكن الأحرار قاموا ببناء فصيلهم من جديد، وحاول القضاء على فيلق الرحمن وفشل" مرجحا فشله في محاولته القضاء على هيئة تحرير الشام هذه المرة كذلك.
وعن مدى حضور الخلفيات الفكرية في المواجهات الحالية، بين سعدو أن "جيش الإسلام ينتمي فكريا للمدرسة السلفية الجامية، أو ما يسمى الآن (المدخلية)، نسبة لربيع المدخلي في السعودية".
وتابع "ترجع نسبة جيش الإسلام إلى هذه المدرسة تبعا لمفتيه أبي عبد الرحمن كعكة، الذي يتبنى هذا الفكر منذ سنوات طويلة، وحتى قبل قيام النظام السوري بزجه في السجن، وكان يقول في السجن إن بشار ولي أمر، ولا يجوز الخروج عليه".
وأضاف سعدو "الكعكة يتبع فكر علي الحلبي المقيم في الأردن، الذي اعتبر الثورة السورية فتنة ولا تجوز المشاركة فيها"، لافتا إلى أن جيش الإسلام أقام بنيانه الفكري على هذه التناقضات، فبشار ولي أمر عند الكعكة، والثوار خوارج يجب قتلهم، فلا يستغربن أحد من انعكاس البوصلة عندهم" على حد قوله.
لكن الباحث السعودي، المهتم بالشأن السوري، موسى الغنامي أرجع تصنيف جيش الإسلام على السلفية، باعتبار قائده زهران علوش، فهو سلفي أبا عن جد، مستدركا أن تصنيف الجيش بجميع مكوناته على السلفية ليس دقيقا، ففيه من كل المدارس السنية تقريبا، فهو فصيل ثوري وليس نخبوي ـ إن صح التعبير ـ ".
ورفض الغنامي في حديثه لـ"
عربي21" ما يقال بشأن تصنيف جيش الإسلام على السلفية الجامية أو المدخلية، معتبرا ذلك فرية بدأ يروج لها أتباع القاعدة منذ فترة قريبة.
وتعجب الغنامي ممن يصدقون ذلك مع معرفتهم بأن الجامية أو المدخلية يرون عدم الخروج على الحاكم مهما كان المسوغ، بل يرون وجوب طاعته ولو كان كافرا، وقد صدر عن بعض رموزهم بيانا في وجوب طاعة بشار الأسد وتحريم قتاله والخروج عليه".
وتساءل الغنامي: كيف يصدقون ذلك وها هم يرون بعيونهم أن جيش الإسلام من أكثر الفصائل المقاتلة للنظام، وفي عقر داره وتخومها، دمشق وريفها".
وجوابا عن سؤال: ما هي دوافع وأهداف عملية جيش الإسلام الحالية؟ قال الغنامي "جيش الإسلام يريد تقليم نفوذ هيئة تحرير الشام في الغوطة وإزاحتها بعد الجرائم التي سببتها للثورة عامة، والغوطة خاصة، ولم يكن آخرها سقوط ثلث الغوطة بيد العصابة الأسدية بسبب بغيهم على جيش الإسلام" على حد قوله.
لكن لماذا يستهدف جيش الإسلام هيئة تحرير الشام بالذات ويسعى لاستئصالها من غوطة دمشق؟ أجاب أبو عبد الرحمن كعكة، مفتي جيش الإسلام بقوله "لأنهم يكفرون المسلمين ويستحلون أموالهم، وقد نهبوا في السنوات الماضية من مستودعات التجار ما لا يخفى على كل متابع لجرائمهم".
وأضاف في تغريدات له نشرها على حسابه في تويتر أمس الاثنين "كل احتقان وخلاف بين الفصائل هم موقدو ناره، وهم من حضر للبغي الأول، ويحضرون للبغي الأخير، لكن الله لم يمكنهم والوثائق عندنا" بحسب عبارته.
على الرغم من انحياز غالب المواقف بشكل مباشر إلى طرف من الأطراف المختلفة، إلا إن ثمة أصواتا سورية عاقلة، ترفض تبرير اقتتال "الأخوة الأعداء" لأي سبب من الأسباب، وتدعو جميع الفصائل إلى الكف عن البغي، فالبغي كله شر ومذموم، ويجب استنكار وقوعه من أي فصيل، طبقا لنشطاء مستقلين.