تستخدم إيران لغة للداخل الإيراني ولغة أخرى تحاكي الدول الغربية، وإحدى مفردات اللغة التي تحاكي بها الغرب هي لغة الديموقراطية، باعتبارها بلدا يختار رئيسه بالانتخاب، وهذا أمر صحيح على مستوى العنوان، حيث إن المواطنين يختارون الرئيس من بين قائمة المرشحين للرئاسة.
لكن على مستوى التطبيق، فالديموقراطية الإيرانية ليست كاملة، فهي تعبر أولا عبر فلترة مجلس صيانة الدستور، وهو ما يعني أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، يختار من المرشحين أشخاصا تكون الثقة فيهم كاملة من أنهم لن يخرجوا في المجمل عن الخط الذي يريده، ويبقى لهذا الرئيس حرية العمل على مستوى التفاصيل.
كما أن القوات المسلحة، والنظام القضائي الرئيسي، والتلفزيون الحكومي، وغيرها من المنظمات الحكومية الرئيسية تخضع لسيطرة المرشد الأعلى لإيران، مما يعني أن رئيس الجمهورية الإيرانية يشابه في صلاحياته رئيس وزراء في بلد نظامه رئاسي وربما أقل قليلا.
التشويه الثاني الذي يعتري الانتخابات الإيرانية يأتي عبر حالات التزوير، وآخرها في العام 2009 حين أعلن فوز «أحمدي نجاد» بفترة ثانية على حساب المرشح الإصلاحي «مير حسين موسوي»، وحينها شكك المعارضون في نزاهة الانتخابات، وقالوا إن أعمال تزوير واسعة قد شابتها، فخرج مئات الآلاف من الإيرانين، مطالبين بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وقامت السلطات بإحباط ما سمي بالثورة الخضراء واعتقال المئات من الإصلاحيين على خلفية التظاهرات.
في انتخابات مايو القادم ترشح حتى الآن ما يربو على 850 مرشحا، هذا قبل أن يقوم مجلس صيانة الدستور بتحديد العدد النهائي، وأبرز مرشحي التيار المحافظ في إيران هو إبراهيم رئيسي، رجل الدين المتشدد والقريب من المرشد الأعلى، كما يعتزم أحمدي نجاد إعادة ترشيح نفسه للانتخابات، وهو ما عبرت عنه وسائل إعلام إيرانية من كونه مخالفة لرغبة المرشد الأعلى، وفي حال عدم سحبه لترشحه فسيضع النظام بين حرجين، فإن سمح له بالاستمرار في الانتخابات فسيؤثر على وحدة جمهور التيار المحافظ، خصوصا في المدن الصغيرة والقرى التي تنتشر فيها الأمية وضعف التعليم، كما أن استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور يمثل حرجا مضاعفا للنظام كونه رئيس جمهورية سابقا.
الحرج الذي قد يسببه استبعاد نجاد يتكرر في حالة الرئيس الحالي حسن روحاني، فإذا استبعده النظام سيمثل حرجا كونه رئيسا حاليا، ورغم أنه ينتمي للتيار الإصلاحي إلا أنه عرف تاريخيا بقربه من النظام وعمله لفترة طويلة في الأجهزة الأمنية، ويملك فرصا جيدة للفوز كون التيار الإصلاحي اجتمع حوله، وهو ما زاد فرص فوزه وعدم تشتت الأصوات في انتخابات 2013.
وعند الاطلاع على أولويات الشعب الإيراني، نرى أن الاهتمامات السياسية تقع في قاع أولويات المواطن الإيراني، وعلى سبيل المثال أحد أهم الأسباب التي دعت الناخب الإيراني يصوت لروحاني في 2013 هو الحريات الاجتماعية، وهذا ما يجعل 70% من الشعب الإيراني غير راض عن روحاني على مستوى الحريات الاجتماعية وتطبيق الديموقراطية، وهذا بحسب استطلاع للرأي جرى في نهاية العام الماضي، كما تبلغ درجة عدم الرضا عن الوضع الاقتصادي وخلق فرص العمل 49%، لكن اللافت أن 65% غير راضين على مستوى العلاقات مع الدول العربية.
من ناحية أخرى بلغت نسبة عدم الرضا عن تحسين مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب عموما 85%، مع العلم أن استطلاع الرأي جرى قبل أن تضع إدارة ترامب إيران ضمن الدول التي يحظر على مواطنيها السفر للولايات المتحدة، الذي من المتوقع أن يزيد من نسبة عدم الرضا من سياسة الحكومة لدى الشعب الإيراني.
وبالتالي يتضح أن الشعب الإيراني بدأ تبعا لزيادة الوعي يدرك أن الفروق محدودة بين التيارين الأبرز في إيران، طالما الجميع تحت مظلة المرشد، ويتبين أيضا أن الشعب الإيراني يطمح لحياة أفضل ولعلاقات طيبة مع دول الجوار والعالم الغربي، مما يعني أن شعارات من شاكلة «الموت لأمريكا» لم تعد تلقى رواجا.
الوضع الاقتصادي وقمع الحريات وعودة التوابيت تباعا من المناطق العربية التي تتدخل فيها إيران وخصوصا سوريا، هي جمر يتزايد تحت صندوق الانتخابات، قد يعبر عنه المواطن بالتصويت أو الامتناع عن المشاركة، والأسوأ للنظام أن يكفر المواطن الإيراني بالصندوق ويعبر بطرق أخرى عن رأيه.